Home بأقلامهم مفرح سرحان : يكتب عن الحُب و الكراهية
0

مفرح سرحان : يكتب عن الحُب و الكراهية

مفرح سرحان : يكتب عن الحُب و الكراهية
0

أيهما أسبق إلينا: الحُب أم الكراهية؟

تقول القصة الأولى التي عرفتها الإنسانية مبكرًا، إن الكراهية أسبق من الحب، كان قربان ولدىّ آدم اختبارًا ، لكن أحد المتنافسَين لم يرض بقبوله من خصمه” أخيه” فـ “كره” أن يفوز فقتله، وصار يبحث كيف يواريه قبل أن ينقذه الغراب بـ “وسيلة للدفن”.

عرف الجنس البشري القصة الأولى ووعاها وأحب “الكراهية” واستحسن من ترجمها إلى دماء، وقدّس ذكره، وسطره بملايين الأسماء التي تحمل لقب “قابيل” شاهدة على أول جريمة ارتكبتها الإنسانية التي قطعت نسل “هابيل” إلا من اسم وحيد يتيم لأخ مقتول مظلوم مكروه من شقيقه.

الكراهية لعنة أصابت الأرض في “مهد التكوين” وتغذت عليها الأجيال من أحبال سُرية حملت “خلطتها السِرية” إلى أحشائنا الضعيفة فخلقت صراعًا موروثًا “غير مسبب” بين البشر تطور مع آلة التكنولوجيا وعصر الرقمنة إلى كراهية عبر الأسلاك وبالإيحاء وعن بعد، وتبدت في أبهى صورها حتى لو سألت الكاره لماذا يكرهك سيجيبك: أكره أن أجيبك.

سنذهب في رحلة قصيرة أو بالأحرى “اختبار”،هل أنت مستعد؟

كلنا يكره الامتحان وسيرته وأنا قبلك، لكن هذا الامتحان لا بد أن تحبه.. ألا تريد التأكد من سلامة قلبك؟ ومدى صلاحيته للحياة ؟

لماذا “تكره” أصلاً؟

هل جربت شعور “القوقعة”؟

تخيل أنك الآن تعيش في حجرة وصالة “شقة” بالمعنى الحرفي للكلمة.. تحلم بأثاث وسرير كبير وصالون فخم لاستقبال ضيوفك ومكتب واسع تكتب فيه وتصارع أفكارك، وتمتع ناظريك بأرفف المكتبة تتدلى منها عناوين الكتب..

جربت هذا الشعور؟

أعرف أنه جيد لكنه افتراضي، فلكي تخرج من هذه القوقعة أو الشقة عليك أن تجاهد في سبيل المليون أو يزيد.

هكذا الكره سواء كان صادرًا عنك أو موجهًا إليك يضيق صدرك بداخلك وتضيق بك الدنيا من حولك.

سأعاود سؤالك : لماذا تكره ؟
ستجيب: أعاني من شخص أقابله للمرة الأولى فأرى كراهية في عينيه لا يخفيها رغم أنه لا يعرفني ..

لدى جار أعامله بالحسنى وأحفظ حقوق جيرته، لكنه يشع موجات الكره حتى تكاد تحرقني.

لي قريب يضيق صدره عندما يسمع اسمي

زميلي يريد إيذائي من دون سبب ومهما أرضيته لا يرضى.

إذن فأنت تشعر بضيق شديد، وغصة في حلقك.. قلبك يتأزم وروحك تختنق عندما تتذكر قريبك وزميلك وجارك والرجل الغريب الذي لا تعرفه ويكرهك بالإيحاء، وغيرهم ممن يكرهونك أو يستفزون فيك سلوكًا عدوانيًا..

الخلاصة أنك لست في حالة جيدة الآن، تدور بعقلك أسئلة متضاربة، وتتصارع رغباتك في الانتقام والنيل من هؤلاء جميعًا.. ليس أمامك خيار سوى أن تتبعني لنجرب سويًا هذا الاختبار، ولكن قبل أن نبدأ الاختبار عليك أن تعلم أيضًا فيم يفكر الرجل الذي يكرهك؟

يعلم “الكاره والمكروه” أن “العين تكره قبل القلب كما تعشق قبله، وطبيعي أن تكره من هو أفضل منها.. هذا في الغالب ، باستثناء من ينفر منه الناس ويتفقون جميعًا على أنه “شخص مكروه”، أما فيما عدا ذلك فالكاره والمكروه كلاهما مريض بالقلب تلك المضغة “بيت الداء”.

بالنسبة لك: ترى من يكرهك شخصًا مريضًا حقودًا يتمنى قتلك لو استطاع إليك سبيلاً، ويحلم بالوقت الذي تختفي فيه من أمامه فمجرد ظهورك يصيبه باضطراب نفسي.. أنت متأكد من ذلك وعليه يكون رد فعلك تجاهه مدفوعًا بنية صادقة في إغاظته والتلذذ بأمارات الغضب والكره على وجهه.

وبالنسبة لمن يكرهك: أنت تمثل له كائنًا مزعجًا، الكيمياء بينكما “مادة صعبة” يستحيل فهمها.. هو أيضا ضد وجودك في البيت والشارع والعمل والمقهى، ستجد ذلك واضحًا في نظراته وفي تدبير المكائد لك، وفي تشويه صورتك.. ستجده دائمًا منحازًا إلى خصمك متطوعًا، ينكر الحق لو كان سينصفك، ويشهد الزور لو كان فيه هلاكك، ستثير غيرته بملابسك الأنيقة، وسيشعر بالغثيان إذا طاب ذكرك في مجلس، وسيعكر مزاجه ثناء أحد عليك.

ستتحول بفعل من يكرهك إلى شخص محب للكراهية، وغالبًا سيتجنب كلاكما النظر في عين الآخر، ولو أجرى كلاكما تحليلاً “نفسيًا” في هذه اللحظة ستصدمه النتائج.. الكاره والمكروه كائنان غير سويين يعادي كل منهما الآخر ويلوثان البيئة المحيطة بموجات إشعاعية وفيروسات سريعة العدوى.

لنبدأ بـ “المكروه”.. هل أنت مستعد لتختبر سلامة قلبك؟

سنفتح صفحة جديدة.. هذا اليوم سيكون مختلفًا عن أيامك الماضية، استقبل زميلك الذي لا يحب طلعتك البهية وبادره بالتحية مشفوعة بابتسامة ( يفضل أن تكون صافية خالصة وليست صفراء فالهدف من الاختبار أن نتأكد من سلامة قلبك لا أن تتعلم النفاق).

وقفت إلى جانبه أمام المصعد، مازال يرمقك بنظرة الكراهية تراجع خطوة إلى الوراء واطلب منه بنظرة ود أن يسبقك إلى الدخول، لا يصيبك إحباط من تجاهله ، استمر في مبادرتك واسأله عن أحواله وتمن له نهارًا سعيدًا، ولا تلتفت لدهشته من تغيرك.

اطلب له مشروبًا – على حسابك- سيرفض في البداية، عليك أن تُلح عليه حتى يقبل، افتعل معه حوارًا في قضية ما –أي قضية- اسأله عن أحوال ابنه الصغير وشقاوته، كثف شحنة الخير وأطلقها في وجهه ولا تيأس من تعبيرات ملامحه .. عاجله بالسلوك الحسن، وكرر ذلك كثيرًا حتى لا يجد مبررًا لكراهيتك.

هل لاحظت تغيرًا؟

ربما يتغير نسبيًا وإن عاند كثيرًا، حتمًا ستصل إلى نتيجة أسوأها على الإطلاق أن تأمن شر كراهيته ويتجمد سلوكه العدواني فلا يصل إليك.
فعل ذلك مع من يكرهك مهما كان ومهما كنت.

لكن ماذا عنك أنت؟

إذا أحسست برحابة صدرك، وبفرج ضيقك وتغير نظرتك إلى “عدوك القديم” والمكان الذي يجمعكما فقد نجحت في الاختبار، وآن لك أن تفرح فلديك قلب سليم سيساعدك على العيش طويلاً دون أن تموت خلاياك العصبية كمدًا وغيظًا من التفكير و”حرقة الدم” من أولئك الذين يثيرون غضبك ويحقدون عليك، وربما تكون سببًا في تغيير الكون من حولك.

أما إذا فشلت في المحاولة ولم تشعر بأنك تغيرت ولم يزل صدرك ضيقًا حرجًا بهؤلاء، فابحث عن علاج أو فلتشق صدرك وتُخرج قلبك من بين الضلوع وتتبرأ منه بكلمتين :”لست قلبي”.