كاتب خليجي : حين يتحدث العُمانيون… الحكمة تُخمد الفتنة
نشرت صحيفة الوسط البحرينيه مقالا للكاتب محمد عبدالله محمد بعنوان “حين يتحدث العُمانيون… الحكمة تُخمد الفتنة”، تحدث فيه الكاتب عن السياسة العمانية التي أصبحت مضربا للمثل في كيفية التعاطي مع القضايا الإقليمية والدولية وحلحللتها وحلها واصفا سلطنة عمان بـ جنيف الشرق لمساعيها في إرساء مبادئ السلام التي أسس قواعدها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان
حيث قال “في جَلِبَة السياسة وصراخ مَنْ فيها، تسمع همساً حكيماً من بعيد. إنه قادمٌ من منطقة في جنوب شرق الخليج العربي. هَمْسٌ تخاله سيضيع وسط الأصوات المرتفعة، لكنك تكتشف أنه يمخر بينها بهدوء وقوة، تاركاً خلفه موجاً متباعداً كي يعبر خلفه المحتاجون إلى الخلاص من غِطَمِّ البحر وهَيَجانه. إنها الشقيقة سلطنة عُمان، التي باتت تُوسَم بـ جنيف الشرق لمساعيها في السلام، وهي السياسة التي أرسى قواعدها جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان.
فالخميس الماضي، أجرَت صحيفة «عكاظ» السعودية حواراً مطولاً وشاملاً مع الوزير المسئول عن الشئون الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله بشأن قضايا عِدَّة: اليمن وسورية وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي وملفات أخرى. 3278 كلمة بين سؤال وجواب كانت كافيةً لفهم ما يجري من أحداث في المنطقة والعالم، ووضع أكثر من نقطة على كلمات كانت مراميها ضائعة.
والحقيقة أنني أدعو الجميع إلى قراءة ذلك اللقاء لأهميته لعدة أسباب: أولاً: أن بن علوي ليس شخصاً طارئاً على السياسة الإقليمية والدولية، بل هو أقدم وزير خارجية عربي الآن، وكانت له صِلات مع أهم البلدان في المنطقة والعالم، ومع الأطراف الفاعلة في تلك الدول، وفي أتون أزماتها المعقدة. ثانياً: أن الوزير بن علوي ليس من بلد منتمٍ لأحلاف ولا إلى قوى متواجهة كي يُعبِّر عن وجهة نظر أحادية ومُحدَّدة؛ بل هو ينتمي إلى بلد باتت تمر من خلاله الملفات العالقة للدول الصغيرة والكبيرة كي تُحَلحَل، وبالتالي فبلاده مقصَد الجميع، ويعلم ما لدى الأطراف من أفكار وسياسات وهموم، لذلك فهو الأقدر على قراءة الموقف السياسي في أيٍّ من الأزمات الملتهبة في المنطقة.
الأمر الثالث الذي يجعل اللقاء مهماً هو أن حديث الرجل أبعد من خطاب المجاملات العام والمعهود، بل هو صريح وواضح بحجم الغموض الذي يُريد البعض أن يغطي به القضايا والأحداث بتفسيرات وقراءات أجهزة العلاقات العامة. لذلك تراه يصنع مساراً للحلول عبر حديث يجعل الرأي العام العربي في الصورة، ويضع الجميع أمام مسئولياته ولكن بحنكةٍ وتروٍّ، وبلا انفعال.
الأمر الرابع أن الوزير العماني يقول ما يريد أن يقوله بصراحة، ولا يتكتَّم على ما لا يريد أن يقوله، بل يبثه بطريقة استفهامية، أو محشوة بكلمات تستبطن رأياً يَصِف ولا يَشِف. وهو في حد ذاته جوابٌ مُركَّب يجعل الاستقواء به مُحالاً، وإدانته مستحيلة. وحتى عندما يعتقد الصحافي أنه ظَفر ببضع كلمات منه يعتقد بأنها موجَّهة أو اصطفافية يُبادره الوزير بكلمات أخرى تُقيِّدها وتفرمل من جموحها ومن خيال السائل فيها. وهذا النوع من الخطاب هو فن تحاوري متقدم.
الأمر الأخير أن الحديث عاكس لطبيعة وجوهر التفكير السياسي والاستراتيجي للدولة العُمانية، غير المتقافز ولا المتحوِّل إلاّ ضمن ثوابت راسخة، بعكس بعض التصريحات في دول أخرى والتي عادةً لا تعكس سوى رأي أطراف متنافسة فيها، لذلك يُصبح ليلها قابلاً لأن يجبَّ ما حصل في نهارها.
عندما سُئِلَ عن اليمن قال: «نحن نعمل بمعرفة الجميع». وعندما سُئِلَ عن الاجتماعات الأخيرة حوله قال هي «في إطار مشاورات الأمم المتحدة وبحسب منظورها». وعندما سُئِلَ عن الحل فيه قال وبوضوح: «هناك خريطة طريق تم الاتفاق عليها في لقاء مجلس التعاون وبريطانيا وأميركا».
وعندما سُئِلَ عن إيران وعلاقتهم بها قال هي: «ليست على حساب أحد». وعندما سُئِلَ عن علاقتهم بسورية قال هي: «دولة عضو في الأمم المتحدة وتحضر اجتماعاتها، وحتى من قال إن الرئيس بشار فقد شرعيته، لكنه في الوقت نفسه يتعامل مع نظامه في الأمم المتحدة فلا يجب أن نكون عاطفيين»، وعن أفق الحل فيها قال إنه بات «في يد اللاعبين الكبار، روسيا وأميركا».
اليوم سلطنة عُمان تستمر في سياسة تكريس السِّلم والاستقرار التي جلبت لها احتراماً واسعاً من الحكومات والشعوب على حدِّ سواء. وهي سياسة أثرت بشكل إيجابي على موقعها وعلاقاتها واقتصادها والأمن الذي تنعم به، والذي حوَّلها إلى قِبلَة سياسية واقتصادية وسياحية، وصار اسمها يُتداول في أروقة الكونغرس والبيت الأبيض، ومجلس العموم و10 داوننغ ستريت والبوندستاغ.
قبل فترة كنتُ أستمع لكلمة أولريش كينتسله في مدينة درزدن بولاية سكسونيا الألمانية خلال مراسم تسليم الوزير يوسف بن علوي وسام سانت جورج، تقديراً لجهوده الدبلوماسية والسياسية لإحلال السلام في المنطقة والعالم. كان أولريش يقول: «هناك دولة تستخدم الدبلوماسية بكل نجاح. إنها عُمان. هذه الدولة كنز للهدوء والاستقرار. في الوقت الذي تُزهَق الأرواح وينتشر الموت في غيرها من البلدان تستمر عُمان في التقدم الاجتماعي والثقافي. وعوضاً عن صبّ الزيت على نار الصراعات يقوم هذا البلد بدبلوماسية نزع فتيل الصراعات». ثم وجّه كلامه للوزير العُماني قائلاً: «لقد نجحت الدبلوماسية العمانية بفعل أمر غير عادي للغاية: جلبتم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وخصمه الأميركي جون كيري» بشأن سورية. ثم أضاف: «إن نجاح عملكم يعني تقلّص عدد الناس الذي يتركون أوطانهم ويتجهون إلى أوروبا كلاجئين».
هذه شهادة قالها غربيون وأصحاب فكر وقلم. والشهادات القائمة على إنجازات حقيقية للشعوب والبشرية عبر إبعادها عن الصراعات وإنقاذ حياة ناسها تبقى محفورةً في الذاكرة. وأحسب أن عُمان سيشهد لها التاريخ في ذلك”.