الصحافة اليوم:
ضمن فعاليات وأنشطة معرض القاهرة الدولي للكتاب للعام 2018 ،أقام مخيم الإبداع ندوة لمناقشة رواية الكاتب المصري) السويدي الجنسية) خالد موافي “ياسمين ” الصادرة عن دار الحضارة العربية للنشر والتوزيع بالقاهرة ،أدار الندوة الكاتب الصحفي عبد السلام فاروق ،وشارك فيها الناقد الكبير الدكتور مدحت الجيار أستاذ النقد الأدبي بجامعة الزقازيق و الروائي المصري أحمد محمد جلبي الأمين العام لملتقى السرد العربي .
الكاتب خالد موافي ليس جديدا علي الساحة الإبداعية المصرية فقد حجز لنفسه مكانة متقدمة بين الكتاب الكبار عبر روايته الأولي “حرب الهوية“ المنشورة في العام 2015- ،والتي لاقت استحسانا وترحيبا حارا من جانب النقاد والجمهور حال صدورها آنذاك ، وفي الندوة التي أقيمت له بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2016 ، كما أن خالد موافي كمواطن مصري يعيش في بلاد المهجر يحاول من خلال كتاباته أن يطلع القارئ المصري والعربي عموما علي حياة الجيل الثاني والثالث في الغرب الأوروبي عموماً وهو مجال عمله وميدان خبراته وشغفه الموضوعي.
وتصدي الدكتور مدحت الجيار لمناقشة الرواية من منظور علمي لأدب المهجر موضحا السمات العامة لدي الأديب المصري المغترب خالد موافي، وكيف أن عمله هذا يبرز اتجاهاته الحثيثة والمستمرة من أجل تكريس قيم الانتماء إلى الروح المصرية وعبقها التاريخي الخاص مقارنة بتأثيرات الثقافة الغربية عليه . مع ما يتمسك فيه وينادي به في روايته “ياسمين ” انطلاقا من فكرة التماسك الثقافي العروبي والإخلاص في مقابل كم وكيف الاغراءات التي تسهل عملية الذوبان داخل المجتمعات الأوروبية وفقد ان الخصوصية الثقافية للشخصية العربية ، وهو يغلف هذا كله في قالب مشوق لغة وحركة ، وكأننا بإزاء رواية ذات طابع بوليسي غير أنه يخالف توقعات القارئ في ما يلي من صفحات، فإذا بنا أمام رواية رومانسية حالمة تحاول دون فجاجة أن تخلق علاقات بناءة بين أبناء وبنات المهجر وبين أوطانهم الأصلية، زاعمة أن ذلك يحقق لهم الأمان النسبي الذي ينجيهم من شراسة المجتمعات التي يستوطنونها الآن .
ولم ير الدكتور مدحت عيبا في أن يتم تغليف ذلك بالشكل الرومانسي لقصة البطل والبطلة بحيث يكون سعى القصة الحثيث للوصول إلى شرعنة قصة الحب ولذلك صدى يخدم الفكرة الأصلية للكاتب، وألمح الكاتب في الرواية بشكل عرضي لكنه مستمر إلي مسألة أو موضوع زواج السني بالشيعية أو العكس – والكلام لا يزال للدكتور مدحت – كعلامة أو بالأحري دلالة على أن أبناء الأمة العربية تحكمهم الأعراف والتقاليد ، فلا تزال رغم الغربة المكانية ،تحكمهم نوعية محددة من العلاقات والارتباطات والمصاهرات، ولعل ذلك لا علاقة له بفكرتنا عن الغرب أو فكرتهم عنا أو بمسألة تصنيفهم إيانا إلي سنة وشيعة أوعرب متمردين وآخرين مستأنسين ولطفاء، تلك الصور والأفكار لا تظهرها أشكال التعامل العادي أو الطبيعي بل القضايا والحروب والأغراض الخفية للمستعمرين الذين يمشطون أرجاء القارة ويحاولون استعادة أمجاد الماضي باستعباد أبناء الشعوب الأخرى.
ومن جانبه ركز الكاتب والناقد أحمد محمد جلبي على أن الرواية لها بطلة وحيدة فريدة في شخصيتها واختيار اسمها عنوانا لها تبرز وكأنها المعادل الموضوعي للفتاة العربية الأصيلة والتى تشكل المعادل الدرامي للزوجة الألمانية الأولى للدكتور صابر وما تمثله من ثقافة مجتمعية في هذا العصر بدايات القرن 21 الحالي ، تلك المرأة الأوروبيةالتي تشق طريقها نحو التطرف اليميني المقيت والتي أنتجت في الماضي الفكر النازي والصهيوني والفصل العنصري وحتى الماركسي بل وتسببت في حربين عالميتين مدمرتين للجنس البشري بأكمله .
وأضاف جلبي أن بطل الرواية الدكتور صابر هو بمثابة الشجرة التي نبتت في الغربة، وصار لها فروع وجذور ثم تأتي المتغيرات لتحاول اقتلاعها من المكان الذي تعملقت فيه.. أما شخصية “ياسمين“ فهي الحاضنة التي تعينه على الاستمرار وتحثه علي مقاومة حروب الكراهية والتصفية، ولذلك فإن عبارات مثل المنبت والمثال والسير على الخط.. أو مثل التحدي والحب والصمود والتآلف ،تكتسب معانيها المباشرة لا الايحائية ، بحيث تكون دالة وكاشفة عما يراد من الجو النفسي من الرواية ، والملاحظ هنا أن الكاتب جعل أبطاله من مكانين مختلفين من الأمة العربية المشرقية .. هما مصر والعراق محط الأنظار والاهتمام ومحور رئيسي ضمن محاور الغرب العدوانية محاولاته المستمرة لتقليص قدرات العرب ومنعهم من التطور وبالتالي فإن استخدام المؤلف للمكان لم يكن اعتباطياً مطلقا، فمصر والعراق هما جناحا الأمة العربية بهما تطير وتعلو، ومن هنا يركز الغرب على هذين الجناحين رغبة في كسرهما أو إحباطهما علي الأقل ، هذا علي الرغم مما يبدو من فانتازيا وخيالات ومؤامرات إلا أنهما يعتملان في الواقع في نفس الكاتب، ولذلك تراه يعبر عنهما صراحة وبلا مواربة، كما أن شخصية ياسمين تكتسب أهميتها القصوى مع أنه خبئها في ثنايا وتضاعيف القص والرواية، ومنحها كذلك صيغة شفافة ناعمة و سلسة لكي تناسب أجواء السرد الرومانسي .
وقال أحمد جلبي إن “ياسمين” رواية متعددة الطبقات، فهي رواية سياسية بامتياز صبت في قالب رومانسي ملئ بالتعقيدات النفسية والاجتماعية ،نجح الكاتب خلالها في أن يقدم تشريحا دقيقا لبعض مثاليات ومثالب الحياة في الغرب، فضلا عن رؤيته لأصول الخلافات بين مذاهب أهل السنة والشيعة مختارا موضوعه بحذق شديد ألا وهو موضوع الزواج ،والحب والاغتراب، إضافة إلي طرح قضايا إشكالية معقدة مثل : من هو الآخر في كل ثقافة، وكيف هي صورته ، وما هو مصير العلاقات العربية العربية من ناحية، والعلاقات الأوروبية العربية من ناحية أخري ، وربما أرادنا الكاتب من البداية الوصول إلي مناصرة أفكاره تلك وتحفيز العقل العربي نحو أبناء المهجر الذين هم جزء منسي من امتدادنا الطبيعي ويشكلون نسبة لا يستهان بها، بل من الممكن أن يكونوا أداة صعود أو سلاح ربما يرتد إلى صدورنا ويصبح معولا للهدم