من يسمع تصريحات وزراء حكومتنا يعتقد أن الحياة أصبحت وردية وأن المصريين يعيشون في بحبوحة من العيش, وأن الأحوال عندنا علي ما يرام, ولكن للأسف فإن واقع الحياة التي نحياها حاليا واقع مؤلم ومرير وأن الأمور تزداد سوءا وأن نار الأسعار وصعوبة المعيشة أصبحت نارا تلهب ظهور وجيوب معظم المصريين, الذين أصبح معظمهم يصرخ,خاصة أن هناك زيادات علي الأبواب, في الكثير من السلع الضرورية,حتي باتت كلمة’ اتخنقنا’ معبرة عن أحوال المصريين,
وهي كلمة فاصلة جامعة توصف وتشرح وتحلل ما وصلت إليه أحوال الناس, الأغنياء يزدادون غني, والفقراء يغتالهم الفقر ويكوي أب دانهم, ويدفع بشبابهم إلي هوة اليأس والإحباط, بعد أن ضاقت أرض مصر بأهلها وأحكمت عليهم الحصار, وانفك عقد الحب الذي كان, وضاع الولاء والانتماء, وأصبحت السمة الأساسية التي تسيطر علي نفسية الشعب المصري الآن هي سمة عدم التفاؤل, والنظرة السوداء للغد, فغالبية المصريين يعيشون يومهم بالكاد,وتمنعهم مشاكلهم الحالية من أن يحلموا بغد أفضل أو مستقبل أكثر إشراقا. لا تجد مصريا عاديا يعمل في’ شغلانة’ واحدة,وإلا مات هما وكمدا, وكم تعمر صفحات الحوادث بمصريين ومصريات قرروا إنهاء حياتهم, لأنهم عجزوا عن توفير قوت يوم الأبناء, أو توفير بعض الاحتياجات.
والاختناق لا يعني سوي الموت أو المقاومة لانتزاع الحياة, ومصر أبقي وأقوي من أن تموت, والخوف كل الخوف أن يضل أصحاب الحق في الحياة طريقهم لنيل حقوقهم الأصيلة, وهنا تكون الكارثة, إذا ما اشتعلت النيران وعصفت ثورة الجياع, كلما طالت الأزمة, ولم تنفرج الغمة, وتصبح مصر وطنا للجميع, وليس بلد الأثرياء فقط. وإذا كان ما يطفو علي السطح لا يبعث الأمل ولا يدعو إلي التفاؤل,فالصورة مع أنها تبدو قاتمة للغاية, فإن عظمة مصر وقدرتها علي البقاء تكمن في ضمائر أبناء النيل الشرفاء,الذين سكنهم تراب الوطن وارتووا من ماء النيل الخالد,الحالمين والباحثين عن غد أفضل,ووطن حر ترفرف عليه رايات الديمقراطية, تبنيه سواعد رجال المال الشرفاء,الذين لم تلوثهم أطماع السلطة والنفوذ,وعقول مصر المستنيرة.
لابد أن تلتقي إرادة كل المصريين وتتوحد من أجل إصلاح ديمقراطي حقيقي, وتصالح مجتمعي مبني علي أسس من التكافل والتكامل,بعيدا عن سياسة المنفعة,حتي تعود مصر إلي قلب الأمة التي خرجت منه بفعل فاعل,وحتي نسترد دورنا الذي تنازلنا عنه طواعية,وحتي لا يفكر شبابنا في الفرار إلي المجهول,ويبني الوطن بعرقه ويسقي صحراء مصر بحبه وانتمائه.
أول قاعدة من قواعد بناء مصر الحرة المستقلة التي يجد فيها كل شاب فرصته في الحياة, وتعود فيها ثروات مصر الوفيرة إلي أصحابها الحقيقيين, هي الديمقراطية الحقيقية, وليست المزيفة أو’ الديكور’, ومن المستحيل تصور قيام نظام ديمقراطي حقيقي في بلادنا,أو في أي بلد في العالم إلا علي أسس واضحة من المشاركة والحرية والشفافية وحكم القانون,وبغير هذه الأسس يسود تحالف الفساد والاستبداد.
ونحن لسنا ضد رأس المال طالما يبني ويعمر, وإن كانت نظم الحكم في الدول الغربية الديمقراطية قد قامت خلال مسيرة تقدمها علي قوة رأس المال, وشكل أصحاب رؤوس الأموال باستمرار آلات دفع جبارة لبناء اقتصاد بلادهم, وبالتالي شكلوا عناصر تأثير كبيرة في صياغة السياسات العامة وفي اتخاذ القرارات,لكن مقابل ذلك فإن هذه النظم وقد اتخذت الديمقراطية أسلوبا للحكم خضعت للرقابة والمحاسبة والمساءلة وقواعد الشفافية,عن طريق البرلمانات المنتخبة بحرية ونزاهة,وعن طريق الصحافة والإعلام الحر المستقل.