فى هدوء وصمت كما عودنا رحل عن دنيانا الفانية الصديق والزميل الكاتب الصحفى الكبير والناقد الفنى الموضوعى محيي الدين فتحى .. رحمك الله يا صديقى الذى لم يغضب أحداً.. كان صديقاً للجميع، محباً لكل الناس.. مات مظلوماً كما عاش طوال حياته الصحفية التى امتدت لأكثر من أربعين عاماً .. ظلمه كبار الأهرام الذى أراه – وهو لن يقرأ ما أقوله- كان أكبر منهم جميعا.. ظلموه يوم عينوه فى قسم الاستماع، ورفضوا نقله إلى قسم الفن، الذى كان هو أبرع منهم فى الكتابة عنه وطغطيته.. ظل محيي الدين فتحى يكتب فى الفن ، ويعمل من أجل الفن الذى أحبه وتخصص فيه رغم أنف الكبار أسما وليس معنى ومضموناً، ورغم انتقاله إلى القسم الاقتصادى الذى أنهى حياته الصحفية وهو عضواً فاعلاً فيه،استمر فى الكتابة الفنية، حيث كان من الأعضاء الموسسين لجمعية كتاب ونقاد السينما ، عندما كونها الأستاذ الكبير كمال الملاخ، وكان مشاركاً نشطاً فى معظم المهرجانات الفنية التى تشرف عليها الجمعية.
عرفت الصديق محيي الدين فتحى صحفياً ورئيساً للتحرير وهو كان طالباً بكلية الآداب جامعة القاهرة، فقد كان مسئولاً عن تحرير جريدة كلية الآداب ، وظل وفياً لها طوال حياته الصحفية، كان محباً لمهنة البحث عن المتاعب ..يعشقها ويضحى من أجلها..رغم أنها كانت تتمنع عليه أحيانا_ كما الحبيبة المخادعة- وكان من أوائل المنضمين لجريدة الأهرام من جيلناً رغم أننا كنا من خريجى قسم الصحافة وهو من خريجى قسم الاجتماع، ولكنه كان أفضلنا، لأنه كانت له تجربة تدرب وتمرس فيها منذ السنة الأولى له فى الجامعة.
كان محيي الدين فتحى غزير الإنتاج محباً لعمله حتى درجة الغيرة والخوف عليه، يتابع الخبر أو الحوار أو التحقيق، منذ لحظة الفكرة، حتى خروجه إلى القارىء.. لم يكن ينام إلا بعد أن يطمئن أن مادته الصحفية قد نشرت، وكما يريد لها.
لم تكن تخلو صفحات الجريدة منذ التحق بالأهرام من اسم محيي الدين فتحى، ولم يكن ينافسه فى ذلك سوى اسم الأستاذ( إسماعيل البقرى) رحمه الله.
إذا لم ينشر لمحيي الدين فتحى خبراً أو حواراً كان يحزن جداً.. كان محيي يكتب فى الفن والاقتصاد والتحقيقات، والعلوم والطب، والمرأة، كان قطار صحافة (قشاش) يسير على قضبان صاحبة الجلالهة بشغف وعشق، وهذا لايقلل من شأنه أبداً فقد كان يملك ناصية عمله، يعرف كيف يوجه فرسه كما يشاء، فقد كان من أمهر قائدى خيول الصحافة.. كان كشكول صحفى متحرك، لا تنقصه المصادر أو الخبرة الصحفية.. لدرجة أن استاذنا وصديقنا الشاعر الكبير مصطفى الضمرانى ( الذى ظُلم هو الآخر) كان يقول: محيي الدين فتحى ممكن يكتب فى البطاطس بنفس جمال كتابته عن سعاد حسنى.
وخلال رحلتنا الصحفية زاملت الراحل العزيز فى العديد من المهام الصحفية، ومنها مهمة فى مدن البحر الأحمر استغرقت 12 يوماً على ظهر الباخرة عايدة زرنا خلالها الغردقة وسفاجا والقصير والعديد من المنائر فى البحر الأحمر، ورأيت عن قرب دأب وشغف هذا الصحفى الكبير بحق وهو يفتش عن الفكرة ويجرى قلمه فيها، وهو يتحدث إلى مصادره بود واحترام، ثم يكتب حواره أو تحقيقه بحب وعشق.
كنا نجلس أنا وهو والأصدقاء رأفت أمين ، حسين فتح الله،محمود الشناوى(رحمهما الله) ومايسة السلكاوى وسامية عبد السلام ونجلاء أبو زكرى وأمال علام نحلم ونأكل ونخطط لمستقبلنا، وكنا نحزن عندما يغضب محيي الدين فتحى لأنه كتب طلب نقل من قسم الاستماع، ولم يبال به أحد، رغم أنه كان عنصراً أساسياً فى تحرير الملحق الفنى الذى كان يشرف عليه( يوسف فرنسيس رحمه الله) ولم تكن تخلو صفحة من صفحات الملحق من إنتاجه الصحفى، كنا نقول له ولا يهمك ، وبالفعل لم يكن يتوقف وظل يحلم بالانتقال إلى القسم الفنى، ولكنهم فى اعتقادى كانوا يخافون على أنفسهم منه، لأنه كان عاشقاً ومتخصصاً أكثر منهم.
ورغم كل هذه المعاناة ظل وفياً للصحافة، حتى بعد أن تخطاه الكبار وعينوا تلاميذه ومن علمهم هو الصحافة رؤساء له، لأنه من جيل تربى على العطاء بغض النظر عن المناصب.
هذا هو الكاتب الصحفى والناقد الفنى الكبير الزميل والصديق الأستاذ/ محيي الدين فتحى رفيق الصبا والأحلام والآمال والآلام.. عاش كبيرا – بدون قرار حكومى_ ومات كبيرا بعلمه وعمله وأخلاقه وحبه للناس، رحمك الله يا صديقى المبتسم دائما رغم الألم.. وهنيئاً لك فى جنة الخلد عند من لا يظلم أحداً.. وإلى أن نلقاك طبت حياً وميتاً.