رغم حالة المعاناة والإحباط, ورغم كل ما يتعرض له المصريون من سياط الأسعار والضرائب التي تلهب ظهورهم, نجد للأسف من يطالب المصريين بالمزيد من الصبر, والتقشف, ويحذرهم من رفع الصوت منددين بغلاء الأسعار ومعدلات الفقر التي تعلن عن نفسها بقوة.
وهنا تأتي مسئولية المثقف..وكلي إيمان بأن المثقف الحقيقي مطالب في أيامنا هذه بأن يكون في أول الصف, وأن يكون مبادرا, ومقاتلا جسورا,لأن ما نحن فيه من أزمة, يستدعي تضافر كل جهود أبناء مصر المخلصين,وفي طليعتهم المثقف الحقيقي, حتي تعود مصر إلي فاعليتها, وتخرج من تحت ركام التخلف القسري الذي وجدت نفسها فيه.
لا نريد مثقفا دجنته السلطة, نرفض المثقف الذي يؤمن بأن دوره هو نسج قصائد تمجد عرش السلطان, أو الذي آثر العزلة والتقوقع, ولا المثقف المروج للأيدولوجيا والفلسفات المغتربة علي روح الجماهير,نريد مثقفا يعرف جيدا كيف يكون ملتزما بقضية دون أن يسقط في شراك سلطة ما.
نريد المثقف الذي تقع عليه قيادة الفكر وتطويره لدي الجمهرة الكبري من الناس, من أجل تغيير المجتمع وتطويره. وهو بحكم إيمانه بدور الفكر والثقافة في قيادة التغيير وبناء المجتمع المتحضر تقع عليه مسئولية البرهنة علي هذه الحقيقة وغرسها في وعي الناس, ونقلها من الأذهان إلي الأعيان, والوصول بها إلي مستوي العمل التطبيقي.
نريد أن يؤمن أصحاب السلطان والنفوذ بالدور الفكري القيادي للمثقفين, والذي يجعل منهم المعبرين عن ضمير الأمة, والعاملين, عن طريق الفكر, علي تغيير واقع مجتمعاتهم ورسم المشروعات اللازمة لبناء مستقبلها. ذلك أن مجتمعنا يحتاج أولا وقبل كل شيء إلي التجديد والتحديث والتغيير, وهذا التجديد لا يتم إلا عن طريق الإسهام الفعال للنخبة المثقفة المبدعة. فلا مثقفين من دون عزم علي التغيير, ولا تغيير من دون مثقفين مبدعين ملتزمين.
ولابد علي السياسي أن يغير من مفهومه لدور المثقف فالسياسي من هؤلاء يعتبر المثقف والكاتب تابعا ينظر وتصاغ له مواقفه وفي أحسن الأحوال يأخذ منه بعض الرؤي التي تخدم مصالحه, ولأنه تابع فعليه واجب الطاعة والتهليل الدائم لكل المواقف السياسية التي تصدر عن السلطة والا أشير إليه بالنعوت والصفات التي لا تليق, وأحيانا التشكيك في ولائه وانتمائه ليترتب علي ذلك حرمانه من مواقع المسؤولية وحتي وظائفها بشكل ظاهر أو خفي حسب ما يقتضيه الحال..وليعمدوا أحيانا أخري إلي التجاهل والإهمال والتطنيش ليتعلم من تلقاء نفسه أن كتاباته هذه لا تنفعه وان عليه العودة إلي الطبل والمزمار بدل عمق الفكر وأمانة القلم وحس المسؤولية!
ومع أهمية الثناء في المناسبات ورفع المعنويات إلا أن التطور والازدهار لن يتحقق إلا في ظل الحرية الحقيقية التي تفسح للفكر أن يعطي نتاجا مثمرا, وللأفكار أن تتوالد بشكل متسارع نحو خدمة المجتمع وحل قضاياه ومشاكله المستعصية التي تزداد تأزما..دون أن يحاسب صاحبها وتنتقص حقوقه وتحجم حريته,فنحن لن نستطيع أن نحقق الازدهار الذي نصبو إليه إلا عندما نعطي للفكر حريته بشكل حقيقي وفاعل.
ولا يعقل أن يهلل المثقفون والكتاب كل يوم لكل ما تفعله الحكومة وما يصدر عنها من قرارات وقوانين,لأن من شأن ذلك إن حدث وتكرر حصوله أن يوصل المجتمع والناس إلي حالة من فقدان المصداقية بما يكتب ويقال, ويتسبب في نشر حالة من اليأس والإحباط..سيما عندما يلتقي ذلك مع الفقر والبطالة والظلم الاجتماعي, وما إلي ذلك من أنواع الظلم الأخري, التي تفرز ولاشك الرفض والعنف والإرهاب.