ما نشهده من جنون في ارتفاع سعر الدولار وما يتبعه بالضرورة من ارتفاع أسعار في مختلف السلع والخدمات, وما تنوي الدولة اتخاذه من إجراءات لرفع الدعم عن معظم السلع والخدمات تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي حتي نحظي بالقرض المأمول
والذي تجاهد الحكومة من أجله جهادا شاقا يجعلنا نذكر الحكومة ورجال المال والأعمال, وهم ركن ركين من أركان التنمية أو الفقر في كل بلد من بلدان العالم, وخاصة الدول الفقيرة مثلنا, والذين كونوا ثرواتهم من أقوات شعوبها ونهب ثرواتها بمباركة الحكومات فيها للأسف, بأن هناك قاعدة مهمة في أصول الحكم وتشغيل الثروات وهي قاعدة المسئولية الاجتماعية وعدالة الدولة, وإن غابت هذه القاعدة فقل علي الدولة وعلي المجتمع السلام, فالعدل المجتمعي هو أساس السلام المجتمعي وأساس التقدم والبناء والتنمية.
في ظل شعارات حكوماتنا الجوفاء التي تردد يوميا علي مسامعنا أنها تراعي محدودي الدخل في كل قراراتها, بينما الواقع يؤكد غير ذلك نؤكد أن المسئولية الاجتماعية حجر وركن أساسي من أركان قيام الدولة ومن أهم واجباتها, ليس في الدول الاشتراكية فقط, كما يدعي البعض, ولكن في أشد الدول الرأسمالية تطرفا,ففي أمريكا وفرنسا وانجلترا, تأتي مسئولية الدولة الاجتماعية في المقدمة,ولم تتخل هذه الدول يوما عن مسئولياتها تجاه شعوبها, ولم تتركهم نهبا لمشاكل البطالة والفقر والحاجة, مثلما يحدث عندنا.
نعم تعاني هذه الشعوب من البطالة كما نعاني, ولكن ليس بالنسبة نفسها, إضافة إلي أن هذه الدول يتمتع فيها المواطن بتأمين بطالة, مادامت لم توفر له الدولة فرص العمل,ولا يحدث فيها ما يحدث عندنا من تجاهل للمشكلة وأسبابها, وإدارة الحكومة ظهرها للشباب الباحث عن عمل,في الوقت الذي التفتت فيه بكليتها وبكامل طاقتها تجاه المشروعات الترفيهية التي تضمن المزيد من الرفاهية للمترفين في الساحل والسخنة وغيرهما من مدن الأثرياء, وتركت الفقراء يبحثون في القمامة عن كسرة خبز في جحور العشوائيات.
وإذا كانت حكومتنا هي المسئول الأول عن العدالة الاجتماعية المفقودة بعد أن غيبت مسئوليتها الاجتماعية, فرجال المال والأعمال صنيعة الحكومة هم أيضا مسئولون أمام الله وأمام الشعب عما يعانيه شعبنا الصابر الصامد من مآس اجتماعية عديدة تثقل كاهله: بطالة وفقر وغياب خدمات ومعاناة ليل نهار.
فقد جاء هؤلاء الأثرياء الجدد اللهم قليل منهم- علي دين حكومتهم يسعون لمص دم المصريين ولا يراعون فيهم الله, متناسين أن الأموال التي استولوا عليها من البنوك وتجارة الأراضي التي وهبها لهم بعض الفاسدين في حكوماتنا المتعاقبة هي أموال وأراضي الفقراء, الذين لم يعد لهم إلا الله والشرفاء من أبناء مصر, وليت كل صاحب مال من رجال المال والأعمال عندنا يتعلم من رجل الأعمال الأمريكي بيل جيتس وهو من هو في عالم الحاسب الآلي, عندما زار مصر في السنوات الأخيرة, ولدي سؤاله عن ثروته قال: إن ثروتي بسبب المجتمع, وسوف تعود للمجتمع, من خلال تمويل مؤسسات بحث علمي وطبي, لعلاج الأوبئة والأمراض المستعصية, وتمويل تطوير التعليم, ولا أعتقد أنني سوف أترك ورائي أموالا لورثتي. وهي كلمات تحتاج لمزيد من نظرة التأمل, من أثرياء مصر, الذين وهبتهم مصر ثرواتها وخيراتها بدون حساب, لعلهم يراعون الظروف القاسية, التي تكاد تعصف ليس بالفقراء وحدهم ولكن بالمجتمع كله إن لم نتكاتف جميعا, وتعود العدالة والمسئولية الاجتماعية المفقودة.