لا يمكن أبدا أن يكون مجلس النواب هو مجلس نواب الشعب..أقول ذلك لأنني كواحد من المصريين المطحونين لا أجد أملا في أن يمثلني هؤلاء الجالسون تحت القبة في عالم لا يمت بصلة إلي دنيا المطحونين الكادحين..فهم ينعمون بالجو المكيف والمشروبات الباردة من كل نوع..وأيضا اللب والسوداني وربما المكسرات, في الوقت الذي تلهب فيه أجساد المصريين حرارة الصيف والذباب الهارب من نيران أغسطس إلي بيوت الغلابة.
يتمتعون ببرودة الجو المكيف دون أن يغرموا مليما, بينما يريد وزير الأوقاف للمصلين في المساجد أن يتحملوا مقابل الكهرباء التي تعمل بها الميكروفونات التي يقرأ من خلالها الوعاظ الخطبة الموحدة, وثمن اللحظات المكيفة التي يؤدون خلالها صلاتهم..مثل هؤلاء النواب الذين يبررون ويمررون للحكومة كل مشروعات قوانينها الجابية التي تهدف إلي سلب كل ميلم أحمر في جيب فقراء البلد التي أفرغت جيوبهم, وضاقت بهم الحياة إلي حد البحث عن فرصة موت في بحار الهجرة, لعلها تكون أرخص من الموت والدفن في مقابر أصبح من الصعب توفيرها..أنا لا أبالغ فهذا للأسف أصبح حال معظم المصريين, إن لم يكونوا لصوصا بأي معني من المعاني.
يحدث ذلك وللأسف نجد غالبية نوابنا, ومثقفينا وخبراء اقتصاد الوكسة يطبلون ويهللون لقرض صندوق الخراب الدولي وهذا التعبير يؤكده التقريرالصادر عن أجهزة صندوق النقد الدولي منذ بضعة أسابيع, والذي يدين فيه سياسات الصندوق في اليونان, وأنها أدت في النهاية لتعميق أزمة اليونان الاقتصادية, وخراب بيت اليونانيين..فتخفيض الأجور والمعاشات والدعم وأعداد العاملين بالجهاز الحكومي, وإجراءات الخصخصة أدت جميعها إلي الإطاحة بنحو ربع الناتج المحلي لليونان, وارتفاع معدلات البطالة لتصل إلي26.5% ولتتجاوز50% بين الشباب.
وانخفض متوسط الدخل الحقيقي للمواطن اليوناني من20.8 ألف يورو إلي16.9 ألف يورو, وارتفعت نسبة الدين الحكومي للناتج المحلي الإجمالي من130%إلي أكثر من181%. ومع ذلك لم نتعلم, ونغمض عيوننا, ويبصم خبرائنا وهم يروجون للجنة الموعودة التي سيدخلنا فيها قرض الصندوق, متناسين أن ما يحدث عندنا الآن حدث في اليونان, حيث ركزت إجراءات التقشف علي رفع ضريبة القيمة المضافة علي المطاعم والفنادق والوقود والمواد الغذائية والأدوية والكتب, ورفع الضريبة علي أرباح الشركات الصغيرة وعلي المزارعين, وتخفيض الإنفاق علي المعاشات, ومراجعة نظم التفاوض الجماعي بين العمال وأصحاب العمل, فضلا عن تعهد اليونان ببيع أصول مملوكة للدولة بما يعادل50 مليار يورو يستخدم معظمها في سداد الديون الخارجية,
وتشمل قائمة المرافق العامة التي تم بيعها مجالات المياه والكهرباء والاتصالات ومكاتب البريد وخدمات المطار والموانئ البحرية, وغيرها. ورغم الالتزام بهذا البرنامج وتنفيذه بحذافيره لم تخرج اليونان من أزمتها الاقتصادية..بل ازدادت الأزمة مرة أخري عمقا..ودخلت اليونان في حلقة مفرغة من الاستدانة والانكماش الاقتصادي, الذي يجردها من أي إمكانية للاعتماد علي قدراتها الذاتية, ويضطرها بالتالي إلي المزيد من الاستدانة..ياخراب بيتك يا بنايوتي!!. حدث ذلك مع اليونانيين..ولكن إعلامنا ومجلس نوابنا ومخربي عقولنا الذين لم تلسعهم نيران ما قبل جحيم الصندوق..يريدون لنا أن نخرب بيتنا بأيدينا,
وأن نحترق جميعا بنيران أزمة اقتصادية شاركوا في صناعتها واستفادوا منها حتي آخر مليم في جيوب المصريين..إن بقيت هناك ملاليم بعد أن نهب الفاسدون المليارات..يا نواب الشعب إن كانت الحكومة لا تري حلا سوي القرض, فكونوا أنتم كما فعل رئيس بعثة الصندوق الذي غسل يديه مقدما من النتائج المترتبة علي تنفيذ برنامج القرض قولوا كلمة حق من أجل الناس.