Home بأقلامهم د‏.‏ إسماعيل إبراهيم يكتب :رحمة بنا.. وبمصرنا
0

د‏.‏ إسماعيل إبراهيم يكتب :رحمة بنا.. وبمصرنا

د‏.‏ إسماعيل إبراهيم يكتب :رحمة بنا.. وبمصرنا
0

فاض الكيل بنا‏..‏مال ميزان حياتنا‏..‏أحكم الغلاء الخناق حول أعناقنا‏..‏تهاوت أعمدة بيوتنا‏..‏أحنت الأسعار ظهورنا‏..‏ضاقت السبل‏..‏لم نعد نعرف كيف ندبر أمور معيشتنا‏..‏البنوك قصفت رقاب رواتبنا‏..‏الأقساط والديون أصبحت وسيلتنا أملا في عيش يحفظ لنا ماء وجوهنا‏.‏

هذه الكلمات تعبر عن أحوال معظم المصريين الشرفاء الكادحين, الذين يحاولون بالكاد أن يعيشوا فوق مستوي خط الفقر, الذي انحدرت إليه ما لا يقل عن40% من الأسر المصرية, كاذب من يدعي أن هناك حالة من الرضا علي الوضع الاقتصادي الحالي, كلنا نئن ونتوجع ونتألم بمستويات مختلفة..وخاصة محدودي الدخل منا, وللعلم هم الغالبية, الذين يتقاضون مرتبات تعجز عن سد احتياجاتهم.

وما بالك بأصحاب المعاشات الذين لم ترحمهم الحكومة, ولم تضعهم في اعتبارها, ولم تفكر فيهم أصلا وهي تتخذ قراراتها, التي حولتهم إلي معدمين ومتسولين, يتقاضون معاشات لا تسمن ولا تغني من جوع, سرقتهم الحكومة مرتين, وتقتلهم كل يوم, سرقتهم يوم سرقت أموالهم ومدخرات عمرهم وسنوات شقائهم, وسرقتهم يوم تركتهم لغول الأسعار التي أطلقته ينهش لحوم الشعب, وهم الحلقة الأضعف فيه, وتقتلهم يوميا بإحكام الحصار ليس حولهم هم فقط ولكن حول الأبناء والأحفاد, مما يجعلهم يفضلون الموت بدلا من أن يرون الأبناء والبنات ينضمون إلي طوابير البطالة والمرض, والعوز والحاجة,

ويفقدون الأمل في مستقبل أفضل لأحفادهم, إنه إحساس مرير بالعجز وقلة الحيلة, وهم يتحسرون علي وضع الأبناء الذين كانوا يحلمون بأن يشدوا ظهورهم ويكونوا سندا وعونا لهم في شيخوختهم, فإذا بهم يشيخون قبل الأوان ويتحولون إلي مصدر حسرة وندامة وغصة في حلوق أبائهم. لا أدري لماذا يصر المسئولون عندنا علي إغماض عيونهم, وسد آذانهم وهم يرون أحوال السواد الأعظم من الناس التي صارت إلي عدم وبؤس وحاجة وذل ومهانة؟.

أعتقد أنهم يعملون بقاعدة(ودن من طين وودن من عجين) فهم في واد والناس في واد آخر, لا يسمعون..ولا يقرأون..ولا يشاهدون,للأسف تنقل لهم قنوات رجال المال والأعمال, وإعلاميوها المزيفون, المفبركاتيون صورا مغلوطة وغير صحيحة عن الشعب الراضي الشاكر الحامد, نعم نحن تعودنا الرضا والشكر, لكن لله سبحانه وتعالي, وليس لمسئول أصم أذنيه وكف بصره عن أوجاع الناس, وتجاهل معاناتهم, وحول حياتهم إلي جحيم. نعم نحن نتمني أن تتجاوز بلادنا تلك المحنة, وتتخطي عنق الزجاجة, التي أدخلتنا قرارات حكوماتنا فيها بإجراءات تنقصها الشفافية وتحكمها قلة الخبرة, وغياب المسئولية الاجتماعية, نعم لا يبخل المصري علي وطنه ويفتديه بكل غال ورخيص,من أجل أن تعود له مكانته التي كانت, ولكن لابد أن يجد المواطن الغلبان الحضن الذي يسعه, ويداوي جراحه,واليد الحانية التي تمسح دموع المحرومين اليائسين فيه.

حالة الوجع والألم والمعاناة التي يشعر بها الكادحون لا تخفي علي أحد من المسئولين, ولكنهم للأسف يتعامون, ويتجاهلون, ويواصلون إجراءاتهم, ونحن لا نمانع ولا نعترض علي أية محاولة جادة لإصلاح اقتصادنا, وانعدال كفة الميزان, ودفع عجلة الاقتصاد إلي الأمام, لأن ذلك سيعود علي المصريين كلهم بالخير وتحسن الأحوال, ولكن بشرط أن يتساوي في المكابدة, وفي الشقاء, وفي الألم وتحمل الأعباء والمعاناة كل فئات الشعب وطبقاته, ابناء كل المهن بلا استثناء وفي القلب منهم الوزراء وكبار المسئولين, أن يتقاسم الجميع تحمل تبعات الاصلاح, وأيام المعانة ووجع الدواء المر, الذي ارتضته الحكومة لشعبها, وللأسف ما نراه حاليا هو أن فاتورة الإصلاح لم يدفع ثمنها سوي الغلابة ومحدودي الدخل, الذين أصبحوا بفضل قرارات لم تراعهم معدومي الدخل, فرحمة بنا وبمصرنا.