بتحب مصر ليه؟.. سؤال سريع عابر في إحدى المؤتمرات لم يلبث بعدها انشغل حيز كبير من تفكيري وسرعان ما تزاحمت الأفكار في عقلى متسائلة كيف لهذا السؤال في بساطته الظاهرة ان يشغل هذا الحيز الكبير من تفكيري!
وهل كان كافيا تلقائية اجابتي قائلة” عشان هي مصر “
خصوصا حين رأيت الكاميرات لازالت مترقبة تفسيرالإجابة. . وكنت لا أدرى من اين ابدا غير ان ذكريات الطفولة هي اول ما استرجعته وبدأت اسرد بعض تفاصيل طفولتي في سيناء التي كانت ذات طابع خاص حيث اجواءاحتفالات السادس من أكتوبر التي كنا نستعد اليها بحفلات مدرسية سنوية مرددين لأغانينا الوطنية التي نشأنابحبها فرحين بالهدايا المرسلة لطلبة المدارس كذلك صوتالطائرات محلقة في السماء ملقية بالعديد من الهدايالأهالي سيناء الأعزاء احتفالا بالنصر كذلك الألعاب الناريةو الاحتفالات بالانتصار في مختلف الجهات المعنيةبالمحافظة وانعكس هذا بدوره في نشأتنا بهوية مصريةمتأصل لديها حب الوطن.
فنشئنا موقنين ان مصر ارض السلام والطمأنينة والرسالات وأقسم بها الله تعالى قبل أن يُقسم بالبلد الحرام في قوله تعالي
“وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)” من سورة التين
ولكن في طريق عودتي ذاك اليوم برغم الظلام الكاحل ظللت أتأمل الطبيعة الساحرة بنجومها المتلألئة في السماء الصافية اتساءل اتكون طبيعة مصر الخلابة هي السببولكنني تذكرت بعض الدول التي سافرت اليها وتمتعت بجمال طبيعتها واخري شاهدت صورها وتمنيت زيارتهاللاستمتاع بطبيعتها ولكنني لم اتمني ابدا العيش ببلد غيرمصر.
ووجدت نفسي ادندن خلال رحلة عودتي كلمات اغنية”مصر هي امي.. نيلها هو دمي.. شمسها في سماري.. شكلها في ملامحي.. حتى لوني قمحي.. لون خيرك يامصر” فما لبثت ان سالت نفسي هل حب مصر فطرةخلقنا بها كحب الام؟!
ثم جال في فكري الأديان السماوية كون مصر ذكرت بهاجميعا وبت ابحث عن ذكر مصر في كل ديانة على حدهحيث ذكرت مصر في القران الكريم ما يقرب من 25 مرة،سواء بالتصريح او بالتلميح، واكد الدكتور علي جمعة – مفتي الجمهورية السابق- أن مصر ذكرت صراحة فيالقرآن الكريم في خمسة مواضع، وذكرت بالإشارة إليهافي أكثر من 30 موضعًا. حيث ذُكرت مصر في القرآنالكريم صراحة في الآيات التالية:
“وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا”.
“وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ”.
“فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ”.
“وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَاتُبصِرُونَ اهْبِطُواْ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ”.
ونزداد فخرا أن رسول الله ﷺ أوصى بمصر وبأهلها خيرا في الحديثان:
• عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله ﷺ قال: ” إِنَّكم ستفتحونَ مصر، وهِيَ أرضٌ يُسَمَّى فيها القيراطُ، فإذا فتحتُموها،فاستَوْصُوا بأَهْلِها خيرًا، فإِنَّ لهم ذمَّةً ورَحِمًا “صححه الألباني.
• وعن أم سلمة أم المؤمنين ان الرسول ﷺ قال:
“اللهَ اللهَ في قِبْطِ مصرَ؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عُدَّةً وأعوانًا في سبيلِ اللهِ” صححه الألباني.
وكذلك كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني خلال الصالونالثقافي للكاتبة فاطمة ناعوت – والذي استضافتهالكاتدرائية المرقسية بالعباسية- حين أشار ان مصر ذكرتفي الكتاب المقدس ما يقرب من ٧٠٠ مرة.
ونشرت ” البوابة القبطية” بعض الآيات التي ذكر فيهامصر في العهد الجديد مثل:
1.”وبعدما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا قم وخذ الصبي وأمه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك لان هيرودس مزمع ان يطلب الصبي ليهلكه(مت 2: 13).
2.”فقام واخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف الى مصر (مت 2: 14).”
وبعد بحث طويل علمت ان مصر ذكرت (698) مرة فيالكتاب المقدس في صورة أي كلمة تدخل فيها) مصر- مصريين-.. إلخ(.
فكلمة مصر فقط ذكرت (465) مرة، وكلمة مصري اوالمصري ذكرت (112) مرة.
وذكرت مصر (670) مرة في العهد القديم، (28) مرة فيالعهد الجديد، (87) في سفر التكوين، (92) مرة فيالاناجيل الأربعة، (1) مرة في سفر الرؤيا.
وورد في بعض المقولات المنتشرة أن اسم مصر يرجع إلىمصرايم ابن حام ابن سيدنا نوح عليه السلام؛ وأن سيدنانوح قال لحفيده اسكن مصر فهذه هي الأرض المباركة التيهي أم البلاد وغوث العباد والتي بها أفضل أنهار الدنياوخزائن الأرض.
واثناء جولتي البحثية وجدت لقاء لفضيلة الشيخ الشعراويقال فيه مدافعا عن مصر
“يجب علينا أن نتنبه جيداً إلى ما يُراد بنا من كيد وما يُرادبنا من شر فأروني في مصر ، مصر الكنانة, مصر التيقال عنها رسول الله اهلها في رباط الى يوم القيامة منيقول عن مصر أنها أمة كافرة ؟! إذا فمن المسلمون؟! منالمؤمنون؟!
مصر التي صدرت علم الاسلام الى الدنيا كلها، صدرتهحتى للبلد الذي نزل فيه الاسلام، هي التي صدرت لعلماءالدنيا كلها علم الإسلام. أتقول عنها ذلك؟ ذلك هو تحقيقالعلم في أزهرها الشريف. وأما دفاعا عن الإسلام فأنظرواالى التاريخ.. من الذي رد همجية التتار عنه؟ … إنها مصرمن الذى رد هجوم الصلبيين على الاسلام والمسلمين ؟… انها مصر وستظل مصر دائما رغم أنف كل حاقد او حاسداو مُستغَل او مدفوع من خصوم الاسلام هنا او خارج هنا”
ثم جال في فكري فكرة اخري الا وهي “أطلقي العنان منفكرك الي فكر الآخرين لعلك تجدي الإجابة الأفضل ” ومنهنا صرت اسال فئات مختلفة حولي وكانت الاجابات تدورحول “بلد الأمن والأمان والطمأنينة، بلد الرسالاتالسماوية، وفيها رائحة كل احبابي، دم شهدائنا في ارضها، دي فيها الاهرامات ونهر النيل، القرآن الكريم قالادخلوها بسلام آمنين فصفة الأمن والسلام سمة خاصةلمصر، ناسها الطيبين، فطرة اتولدنا بيها، مصر هي الأموالأب لعلوم الدنيا وهي التي قدمت للبشرية الطبوالهندسة والفلك وغيرها, خيرها عليا علمتني وكبرتني،أنجبت ولا زالت تنجب العلماء والقادة , مصر ام الدنيا”
بعد كل هذه المحاولات للوصول للإجابة الأفضل ما زدت الاحيرة فتذكرت حديث دار بيني وبين أحد أصدقائي الأعزاءمن أحد الدول الشقيقة حين قال رغم سفره لمعظم دولالعالم واختلاطه بعديد من الثقافات الا انه يظل لمصر مكانهخاصة لديه لا يعلم لماذا! ممازحا اياي اهناك حقا سحرافي ماء النيل؟! فمن يشرب منه كما يقال لا يقدر الاستغناءعنه مره اخري؟!!
فتذكرت العديد من أصدقائنا ممن سافروا لدول اخري كيفكان حديثهم عن شوقهم وحنينهم الدائم لمصر رغماستقرارهم خارج الوطن.
هنا ايقنت حتمية وجود سر في ارض مصر لا يعلمه الا الله.. حب ذو طابع خاص.. وكما قال سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي “ان المصريين لما ارادوا التغيير غيروا الدنيا كلها.. مصر محفوظة بالمصريين … الضباط والطلبة اللي موجودين الدم اللي في عروقهم بيحب مصر … مصر ام الدنيا وهتبقي قد الدنيا “.
فعلينا كمصريين ان ندرك قيمة مصرنا الغالية وقيمة المصريين وقدراتهم وان نتكاتف جميعا من اجل الارتقاء بأنفسنا وبلدنا العزيزة مصر نحو بناء جمهورية جديدة متميزة تليق بتاريخ وعراقة واصالة مصر والمصريين.