جائزة القيادة المتميزة توثيق للجهود العُمانية في الريادة والتراث البحري
مسقط، خاص:
تعكس الجائزة التي حصلت عليها سلطنة عُمان (جائزة القيادة المتميزة) من مؤتمر الكونجرس العالمي الأول للتراث البحري، الذي أقيم في سنغافورة مؤخراً، تقديراً وإشادة لنهج السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان على اهتمامه بتراث السلطنة البحري، وتعزيز مكانتها البحرية على الخريطة الدولية؛ حتى غدت نقطة وصل بين الدول والشعوب، واعترافا بإسهاماته في تشكيل فهم عالمي لأهمية التراث البحري في عالم اليوم.
كما تكتسب هذه الجائزة أهمية كبيرة، لأن المؤتمر الذي منح الجائزة شارك فيه أكثر من ٣٠٠ مشارك يمثلون الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية والمؤسسات العالمية المتخصصة في الشؤون البحرية، إضافة إلى شركات النقل البحري والتأمين وممثلي الموانئ البحرية والمراكز التعليمية البحرية والمتاحف والخبراء المتخصصين في الشؤون البحرية.
هذا الفكر العُماني الحريص على ربط التاريخ ببناء حاضر مزدهر، واكبه اهتمام متفرد بالتراث البحري لعُمان، واهتمام أشاد به القاصي والداني، وأضحى نموذجاً لكل ساعٍ إلى حماية التراث الوطني، فكانت أولى خطوات حماية هذا التراث هو التعمق به، للتعرف عن كثب عن القدرة العملية للتطوير وصولا إلى الحداثة، بنهج يراعي هذا التراث ويحافظ عليه، ويتخرج منه حاضرا ومستقبلا يراعي حق الأجيال المتعاقبة في منجزاته.
وقد أولت سلطنة عُمان منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي وحتى الآن وعلى مدار نصف قرن تقريباً، اهتماماً كبيراً بالخدمات البحرية بحكم موقعها الجغرافي الهام الواقع على ملتقى طرق بحرية هامة تربطها بالخليج العربي والهند والبحر الأحمر وإفريقيا الشرقية وتشرف على أقدم وأهم طريق للتجارة البحرية وهو مضيق هرمز الذي يقع في الجزء الشمالي من السلطنة، ويعد من أهم الممرات المائية في العالم.
وسعت السلطنة إلى تطوير قدراتها البحرية للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال، وذلك من خلال الاهتمام بالموارد البشرية كعنصر أساسي لتنفيذ هذا الجانب من خلال تأهيل وتدريب العاملين بما يمكنهم من القيام بواجباتهم بما يحقق طموح السلطنة للوفاء بمتطلباتها الوطنية من إنتاج الخرائط والكتب الملاحية والتي هي مطلب جميع وسائل النقل البحري لتحقيق السلامة البحرية.
كان السلطان قابوس يذكر أبناء عمان بدور السواحل المضخمة برائحة السفن العتيقة الذي سطرته الصواري الشامخة التي اندفعت، في ذلك الماضي الموشى بالمجد، من مختلف الموانئ العمانية، تمخر العباب المتلاطم في طموح فتي، مجسدة قوة هذا البلد وقدرته، وهيبته وعزته، ورغبته في التواصل مع حضارات الأمم كلها، القريبة منها والبعيدة.
كما ذكر الأجيال الصاعدة بتلك الهمة العالية الأمجاد للأجداد الذين ركبوا صهوات البحار، وشقوا أمواجها العاتية، ونازلوا عواصفها الهائجة، طلبا للعيش الكريم، ورغبة في العمل الشريف، إيمانا من قابوس بطريق الأجداد، والذي يعد الطريق الأنفع للشباب العماني المتشوق إلى آفاق المجد.
وتشير الدراسات التاريخية إلى أن المتابع والمراقب لمسيرة النهضة العُمانية الحديثة يدرك تماماً أهمية الدور المركزي والرئيسي الذي قاد به السلطان قابوس بن سعيد هذه المسيرة ليضع عُمان في مصاف الدول الصاعدة وهي تبحث عن مكانتها التي تليق بها بين الأمم استنادًا إلى التاريخ العريق وكذلك المعطيات الموضوعية في الوقت الراهن.
ومن المعروف أدوار العمانيين في البحار والمحيطات وعلاقتهم بهذا العباب الهادر، وكيف أنهم طوعوا هذه العلاقة لصالح الدبلوماسية الشعبية والتعايش مع الشعوب ونسج حبال التواصل الاقتصادي والتجاري، فشكلت عمان منذ القدم نموذجا يحتذى به في هذا الإطار، وهو الدور الذي أكدت عليه الدولة الحديثة وفق النهج السامي للسلطان وتركيزه على استحضار قيم الأمس الخالدة في صميم البناء الحديث للحضارة الإنسانية بشكل عام، انطلاقا من مقومات التراث العماني الأصيل.