مسقط، تقرير كتبه: أحمد تركي
جاء المرسوم السلطاني الذي أصدره السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، بتعيين سالم بن محمد بن سعيد المحروقي وزيراً للتراث والثقافة، بعد أن شغل السلطان هيثم نفسه هذا المنصب لمدة تقارب 18 عاماً، ليؤكد على الاهتمام العُماني المتواصل بالجوانب الثقافية، والتي منحها السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ جل رعايته متمثلاً ذلك بإنشاء أول وزارة للتراث والثقافة ليس فقط في سلطنة عُمان وإنما في منطقة الخليج العربي.
وتأكيداً لهذا الاهتمام المتواصل صدر العدد الجديد رقم 32 من المجلة الفصلية العُمانية “الثقافية” مطلع يناير 2020 والتي تصدر عن مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، وجاء ملف العدد بعنوان : التاريخ والتراث والعمارة … رؤى أفكار، وتضمن محوراً تحت عنوان (التراث والهوية الوطنية).
حظي التراث والثقافة منذ فجر النهضة العُمانية في السبعينيات من القرن الماضي، باهتمام كبير من جانب السلطان قابوس ـ طيب الله ثراه ـ باعتباره ركناً أساسياً من الهوية الوطنية العُمانية ويسهم في ترسيخ الاحترام والتفاهم والسلام بين الشعوب، ويساعد على تحقيق التنمية المستدامة، وتؤدي المحافظة عليه إلى نقل المعارف والمهارات والمعاني والقيم من جيل لآخر.
لقد كان رصيد التراث الثقافي العُماني كبيراً في فكر السلطان قابوس ـ طيب الله ثراه ـ لذا كان محوراً رئيسياً لإنشاء العديد من المؤسسات الرسمية التي تعمل من أجل التراث الثقافي العُماني المادي وغير المادي، كما كان ذلك دافعاً كبيراً لتشجيع الأعمال الأهلية في مجال التراث الثقافي، وكانت البدايات المهمة بإنشاء: وزارة التراث والثقافة وتلاها إنشاء الأجهزة الإعلامية، المتاحف ودار المخطوطات، مكتب مستشار السلطان للشؤون الثقافية، الهيئة العامة للصناعات الحرفية، مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، مجلس البحث العلمي، مركز الدراسات العُمانية، النادي الثقافي، المنتدى الأدبي، جمعية الفنون التشكيلية، دار الأوبرا السلطانية وغيرها من المؤسسات.
وتكريساً لتوثيق الجوانب الثقافية العُمانية، جاء انضمام عُمان إلى العديد من المنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالتراث الثقافي والتراث الطبيعي والمنظمات ذات الصلة بتوظيف التراث الثقافي ومنها: اليونسكو، الوايبو، الأيكوم، الإكوموس، الإيكروم، الإيسسكو، الألكسو، ومنظمة السياحة العالمية.
والتراث لدى المنظومة العُمانية، ليس ترفاً فكرياً بل أرضية خصبة ترتكز عليه عناصر المواطنة الصالحة التي تتطلع لبناء غد أفضل.
وهكذا تتواصل مسيرة الاهتمام العُماني بالتراث والثقافة عبر التاريخ، إذ تنفرد السلطنة بتراث حضاري وتاريخي عريق يزخر بثقافة متأصلة وموروثات أصيلة تعكس مدى ارتباط الانسان العماني ببيئته ومجتمعه، ويتجلى هذا الأمر من خلال الأزياء العمانية والفنون التقليدية والعادات والتقاليد التي يعتز بها العمانيون، إضافة إلى بعض الفعاليات التراثية مثل سباقات الهجن وسباقات الخيل وغيرها، كما تتميز عُمان بمواقعها الأثرية وقلاعها التي تقف شامخة في أرجاء السلطنة.
وتشغل السلطنة عضوية لجنة التراث والثقافة في منظمة اليونسكو التي تتعاون والسلطنة في حفظ المواقع الأثرية من الاندثار، كما يجري قسم الآثار بجامعة السلطان قابوس عددًا من الدراسات والمسوحات بالتعاون مع وفود عالمية بما يختص بالموروث الحضاري العماني. وتزخر عمان بجملة من المواقع والمتاحف والقلاع والحصون والمساجد التي تثري حضارتها. للتفاصيل حول المواقع الأثرية العمانية تفضل بزيارة صفحة القلاع والحصون .
وتعد الثقافة العمانية غنية خصبة بما يميزها من عادات وتقاليد وفنون شعبية تكلل احتفالاتها وأعيادها ومناسباتها، إذ يشتهر العمانيون بفنونهم الشعبية المنفردة مثل فن الرزحة والميدان والعازي التي تبرز في حفلات الزواج والأعياد الدينية والوطنية، كما يعتز العمانيون بموروثهم من الصناعات الحرفية وما زال العديد من العمانيون يعملون في هذا المجال تحت إشراف هيئة الصناعات الحرفية التي تهتم بتشجيع العمانيين على الاستمرار فيها وتعليمها للأجيال القادمة. وقد اختيرت مسقط عاصمة للتراث والثقافة الإسلامية عام 2006م، كما اختيرت نزوى عاصمة لها عام 2015م، مما يدل ويعكس العمق الحضاري والثقافي المتجذر في الشعب العماني.
الجدير بالذكر أن سالم بن محمد المحروقي وزير التراث والثقافة الجديد، كان رئيسا للنادي الثقافي وحاصل على ماجستير في الشؤون الدولية من الجامعة الأمريكية- واشنطن، وقام بتمثيل السلطنة في مؤتمرات واجتماعات على مستوى دول مجلس التعاون.
كما تسلّم المحروقي وسام نجمة إيطاليا الممنوح من الحكومة الإيطالية له عام 2016 ، خلال استقباله باولا أماداي السفيرة الإيطالية المعتمدة لدى السلطنة ، تقديراً لجهوده في تنمية العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات التراثية والثقافية خاصة في قطاع المتاحف والآثار وتبادل الخبرات بما يخدم الجانبين وفقاً لأفضل الممارسات التي يتم توظيفها في استدامة التراث الثقافي.