Home بأقلامهم بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى.. الثعبان المخيف!

بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى.. الثعبان المخيف!

بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى.. الثعبان المخيف!
0

أكتب إليك بعد ما مررت به خلال السنوات الماضية وبالأخص الشهور الأخيرة، فقد قلت وقال الجميع أننى انتهيت وعلى حافة الموت، فأنا سيدة فى الأربعينات وأم لثلاث بنات، نشأت نشأة عادية فى قرية لعائلة كبيرة وأب ذى مكانة رفيعة يعمل بالقطاع العام، كان سديد الخطى، قليل الكلام، صاحب آراء ثاقبة، وقوى الشخصية لا يشعرنا بحبه وحنانه، حتى لا يشعر أحد بضعفه، أما نحن فكنا حديث القرية نظرا للشكل الذى كنا عليه وتميزنا فى المستوى الاجتماعى والتعليمى وأمور أخرى، وانتقلنا إلى المدينة ودخلت المدرسة الثانوية وحزنت حينها لترك بلدتى وزميلات الدراسة، ومرت الأيام والسنوات وحدثت الصدمة الأولى فى حياتى بانفصال أبى وأمى، وظللت لمدة 8 سنوات أذهب إليه وكان يرفض مقابلتى بل ويوبخنى ويكسر خاطرى، ولم أكلّ أو أملّ حتى لان قلبه وتكلم معى وأدخلنى بيته، ورأيت امرأة أخرى غير أمى معه، انتابنى الحزن لكن قلت الحمدلله وحاولت تغيير الأمر ، ونجحت بالفعل وعاد أبى لأمى التى كانت مريضة حينها، ووهبنى الله نعمة رعايتها لمدة عامين حتى وفاتها.

ولم أشعر بطعم الفرح مرة أخرى رغم زواجى بعد رحيلها بستة أشهر من شخص أحببته لمدة سنوات ورفضه أبى، لكن تمسكت به وانتظرت حتى يلين قلب أبى ووافق فى النهاية، تزوجنا ورحلت معه إلى دولة عربية وشعرت فى بداية زواجى بأمور غير مريحة لم أكترث لها، مثل علاقته بأهله وغموض فى أشياء أخرى من بينها مشاهدته للأفلام الإباحية منذ الأسبوع الأول في زواجنا وكان يفعل ذلك عندما أكون فى غرفتى، وقلت لنفسى ليس لى دخل بذلك  مادام هو ملتزم بالبيت ومصاريفه، ومرت السنوات ورزقنا الله طفلة، وتبدلت الأحوال بمرور الوقت و أصبح زوجى متعسر ماديا فحاولت مساعدته بالدخول فى تجارة بسيطة حتى لا نحتاج لأحد، وحملت بعدها فى ابنتى الثانية وقررنا العودة لمصر وكان من المفترض أن يعود لعمله مرة أخرى، لكنه افتعل أسبابا واهية حتى لا يعود، فسلمت أمرى لله، ثم ضاق الحال أكثر فأكثر، فأصبح يعمل شهرا وآخر لا، ولم أصدق ما يقوله من مبررات، ولن أقول أننى كنت أثق به بقدر ما اعتدت على أن كلام الزوج أمر مسلم به وأنه لا يحتاج للكذب ط، بالتأكيد ستتساءل من أين كنا نصرف على البيت؟ كنت أبيع أشيائى ومرة مقتنياتى الذهبية ومرة أخرى جهازى الذى تزوجت به، وأصبح الحال سيئا للغاية، ولم أجد منه تقديرا لكل ما فعلت، بل اكتشفت أنه مازال يشاهد تلك الأفلام على “التابلت” الخاص بابنتى، ومحادثات عديدة مع فتيات أُخريات ، وتحملت الكثير على أمل أن يتغير، ولكن كان يتغير للأسوأ، ثم مرضت مرضا شديدا فأخذنى أخوتى لعمل فحوصات عندما علموا ما أُعانيه، و تنقلنا من طبيب أورام إلى قلب والسبب غير معلوم، حتى علمت بوجود تليف بالرئة وتابعت بالأدوية ولم يكن هناك تحسن فقد كانت حالتى تسوء يوما بعد يوم، ولم أشكو لأحد من مرضى أو من الثعبان المخيف الذى أعيش معه، فكان يقول لأطفالنا عكس ما أدلهم عليه وحاول إيهام ابنتى الوسطى أنى لا أحبها، وكان يشتكى لأخوتى منى ليظهر بمظهر الملاك المسالم، ومرت كل تلك الأحداث دون أن نستقر فى مكان واحد، فأقصى مدة قضيناها فى مكان  كانت عامين، و دائما ما كان يتأخر فى دفع الإيجار لكنى لم أعلم الأسباب، ثم حدث الشىء الأفظع فى آخر شقة كنا نقطن بها، حيث أعطى صاحب الشقة رقمى وكان يحدثه على “الواتس آب” على أساس أنه أنا، واكتشفت ذالك بالصدفة وعندما واجهته طلب منى أن أحدثه تليفونيا لأنه يريدنى فى عمل، ولم أصدق ما سمعته أذناى وخرجت عن صمتى للمرة الأولى فوبخته كثيرا حتى اعتذر لى، ولا أدرى لماذا تحملت كل هذه السنوات؟ لقد كانت لدى لامبالاة غريبة، و مرت الأيام وأنا أغرق والمرض يشتد علىّ، عاجزة عن تعليم بناتى وعن توفير حياة كريمة لهن، وتعجز الكلمات عن وصف حالى، فكل من كان يعرفنى كان ينتظر خبر وفاتى، إلى أن ساعدنى أخى الذى أتى من الخارج، و كان يعرف كل شىء واحتوانى وانتقلت بأطفالى إلى شقة أخرى، فقد اهتم بهن وأنا طريحة الفراش، وبفضل بعض الأشخاص علمت الحقيقة وعلمت أن زوجى كان يحتال على الناس بحجة توفير وظائف لهم أو تسفيرهم، و أخيرا نجحت فى الطلاق منه بعد 11 عاما، وقررت أن أعود إنسانة جديدة وأن أنسى الشخصية التى عشت بها السنوات الماضية، والآن أشعر بأننى أفضل حالا وتبدلت ملامحى وبدأت فى استعادة مظهرى الخارجى، واستطعت الحصول على معاش والدى، ثم انتقلت ببناتى إلى شقة جديدة وأحاول جاهدة توفير كل ما يعوضهن عن كل ما واجهناه من متاعب، و فى النهاية أتساءل، لماذا نتحمل أخطاء من نحبهم بل ونجد المبررات لأفعالهم الخاطئة على حساب أنفسنا؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لقد ارتكبتى أخطاء عدة فى حق نفسك و اعترفتى بذلك، فكانت بدايتها تمسكك بطليقك رغم رفض والدك، الذى لم تذكرى أسباب رفضه له لكن يبدو أنه رأى فيه عيوبا غائبة عنك، وذلك لأن نظرتك كانت عاطفية بحتة بينما كانت نظرته عقلانية، والخطأ الثانى هو استمرارك فى الإنجاب بالرغم من إحساسك أن هناك شيئا غير مفهوم فى تصرفاته منذ الأسبوع الأول، بمعنى أنه كان أمامك كل شىء يؤكد أنه شخص غير سوى وغير مسئول لكنك قررتى تجاهله، فالطلاق كان النهاية الحتمية والطبيعية لتلك العلاقة.

وأما عن سؤالك، فأى شخص عندما يرى أخطاء ممن  يحبه، يتعامل معها على قدرها، فيمكن التساهل فى بعضها والبعض الآخر تلزمه وقفة حتى لا يتمادى فى أفعاله، وهذا ما فعله طليقك عندما كان يرتكب كل حماقة ويجد رد فعلك سلبى، حتى وصل به الحال إلى أن يستغلك أسوأ استغلال ويعطى رقم هاتفك لصاحب إحدى الشقق وهو فعل مشين، إنكِ تحاملتِ على نفسك كثيرا من أجل إرضائه ولم تجنِ إلا المرض الشديد.

و لكن عليكِ أن تعلمى أن التسامح له حدود، هكذا هى الحياة تعلمنا دائما. والآن عليك أن تنسى الماضى وتركزين على تربية بناتك وتوفير حياة كريمة لهن بقدر الإمكان، كما يمكنك بدء تجارة بسيطة تدر عليكِ دخلا مناسبا بجانب معاش والدك .

ولا مانع من التفكير فى الزواج مرة أخرى، لكن يجب وضع النقاط على الحروف بخصوص بناتك أولا، وموافقتك على أى شخص يجب أن تكون مشروطة بتربيتهن على أكمل وجه كما لو كانوا أطفاله، من ناحية التكفل بالمصاريف والمعاملة الحسنة، فإن وجدتِ هذا الشخص كان بها، وفى حال عدم توافره، فاستعنِ بالله وربّى بناتك بمساعدة أخيكِ الذى ساعدك كثيرا فى التخلص مما كنتِ فيه، وأذكرك بأن عكوف المرأة على تربية أولادها ورعايتهم وتنشئتهم نشأة صالحة والإنفاق عليهم من الحلال من أعظم الأعمال فى الدنيا والآخرة، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:”قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِى أَجْرٌ فى بنى أَبِى سَلَمَةَ أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا إِنَّمَا هُمْ بنى، فَقَالَ: نَعَمْ لَكِ فِيهِمْ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ”. متفق عليه، وفقك الله لما يحبه ويرضاه.