الصحافة اليوم:
شاركت الأديبة الكويتية أمل الرندي في الدورة الـ 18 من ملتقى الشارقة الدولي للراوي، الذي ينظمه معهد الشارقة تحت شعار “الحكايات الخرافية”، وبمشاركة 34 دولة. وكانت مشاركة الرندي في إطار وفد رابطة الادباء الكويتيين، ضم أدباء وكتاب كويتيون استعرضوا خبراتهم وتجاربهم في مجال الخرافة في الحكايات الشعبية الكويتية والعربية، وكذلك في قصص الأطفال والكبار التي تتخذ الخرافة مادة أساسية لها. وقد ترأس الوفد الكويتي الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين الأستاذ طلال الرميضي، وشارك فيه كل من دكتور خالد الشايجي، الأديبة ليلى العثمان، الأديبة والفنانة ثريا البقصمي، الدكتور إبراهيم الشريفي والأستاذ حسين الراوي، الدكتور جاسم الغيث، الأستاذ طلال الجويعد، وكانت الكاتبات بزة الباطني ولطيفة بطي وبدور المعيلي قد شاركن في الفعاليات المصاحبة للملتقى، فالحضور الكويتي يعتبر الأكبر من ضمن الوفود المشاركة
حضر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة انطلاق فعاليات الملتقى الذي أقيم في مركز إكسبو الشارقة، وتجول بين مختلف أرجاء الملتقى، واطلع سموه على جهود الدوائر والمؤسسات والهيئات المعنية بالحفاظ على التراث.
ضم الملتقى العديد من الأنشطة والبرامج، بمشاركة نخبةٍ من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين، قدموا صورة وافية عن حكايات التراث العالمي، فالملتقى يسعى إلى لفت الأنظار لأهمية الموروث الشفاهي والروايات الشعبية. ويعد هذا الملتقى منصة دولية مهمة لتكريم حماة التراث والتقاليد الشعبية، وقد حلت مملكة البحرين ضيف شرف نسخة هذا العام.
وقدمت الزميلة أمل الرندي في الملتقى بحثاً بعنوان “الخرافة في أدب الطفل بين الماضي والحاضر في الكويت”، تحدثت فيه عن الخرافة في الكويت والشخصيات الخرافية في التراث الكويتي، وتأثيرها في أدب الطفل بالكويت، وعن نتاج كتّاب الخرافة التراثية، وكتّاب الخيال الخرافي الحديث في أدب الطفل الكويتي، بالإضافة إلى المؤسسات والفنانين والنقّاد الذين ساهموا في إنعاش الخرافة في أدب الطفل.
قالت الرندي: لا يمكن أن نغفل أهمية الخرافة في الأدب ودورها في توسيع مخيلة الطفل، والتأثير في عقله ووجدانه، خصوصاً في المرحلة العمرية التي يتفتح فيها ذهن الطفل، ويسعى فيها لاكتشاف العالم. وكما قال ألبرت أينشتاين: “الخيال أهم من المعرفة، فالمعرفة محدودة بما نعرفه الآن وما نفهمه، بينما الخيال يحتوي العالم كله وكل ما ستتم معرفته أو فهمه إلى الأبد”.
ورأت أن الحكايات الخرافية الشعبية تمثل الشكل الأقدم للأدب الخيالي، فهي الأدب غير المكتوب الذي أنتجه الإنسان البدائي في جميع بقاع العالم، بل تمثل طفولة الأدب في هذا العالم.
وتابعت الرندي: إذا كان البعض يرى أثراً إيجابياً للخرافة في توجيه الأطفال وتوسيع مخيلاتهم، ويرى أن الخرافة إذا كانت مدروسة بشكل جيد من الناحية التربوية، يمكنها أن تلعب دوراً في تنمية عقل الطفل ووجدانه وسلوكه وطموحه في فهم مجتمعه والعالم الذي يدور في فلكه… فإن البعض الآخر من التربويين والنقاد يعتبر أن التزام الواقعية في الأدب أفضل، والابتعاد عن عالم السحر والعفاريت والأرواح والخيالات الفالتة التي تمتلئ بها الخرافات، يجعلان الطفل يسبح في عالم أليف وليس غريباً عنه، أو بعيداً عن ذاته، ويحثان الطفل على التفكير في حلول واقعية للمشكلات التي يتعرض لها، فلا يشعر بأن عالمه تتحكم به قوى خارقة، وما عليه إلا الإذعان لها ولخرافاتها ومضامينها.
وبعد أن تحدثت عن الحضور القوي والواضح للخرافة عند رواد أدب الطفل العرب، أكدت الرندي الدور المهم الذي لعبته صحافة الطفل في الكويت منذ حوالي نصف قرن، والتي كانت سبّاقة على مستوى الخليج العربي، وقد صدرت أول مجلة للأطفال باسم “سعد” عام 1969، وكانت محركاً أساسياً في طَرْق كل أبواب مضامين أدب الطفل، وبالتالي كانت الخرافة منذ ذلك الوقت حاضرة في ما كُتِب من قصص وأشعار ومسرحيات.
وتوقفت أمل الرندي عند تجربة “لطيفة بطي” التي ضمنت أدب الطفل التراث الخرافي وكتبت العديد من القصص الشعبية وأدخلت الشخصيات الخرافية في قصصها للأطفال في الكويت.
ثم فصّلت الشخصيات الخرافية المتأصلة في التراث الكويتي، مثل السعلو، الغول، الطنطل، الدعيدع، حمارة القايلة، أم السعف، الجاثوم وغيرها الكثير… وأن هناك شخصيات خرافية كويتية تركت بصمة في الوجدان، استُخدِم بعضها في تخويف الأطفال من قِبَل الأهل، ليرضخوا لأوامرهم، ويطيعوهم بعدم الخروج من البيت في أوقات غير مناسبة، كما في ظهيرة أيام الحر، أو في الظلام الدامس.
أما وظيفة الشخصيات الخرافية عموماً فتركزت برأي الرندي على شفاء المرضى، عمل الخير، إرهاب الناس وتخويفهم وإخضاعهم، التسلية، بالإضافة إلى توسيع الخيال.
وعللت سبب انتشار هذه الشخصيات الخرافية قديماً، معتبرة أن السبب هو الجهل والأمية اللذان كانا سائدين قبل الانفتاح والنضج الفكري والتحصيل العلمي، وقبل أن تضيء الكهرباء ليل الكويت، وقد توارثها الكويتيون جيلاً بعد جيل، وتستمر في عصرنا الحالي من منطلق الطرافة، أو السخرية، أو التسلية. وقد استخدمت في الأدب، ومنه أدب الطفل، كمادة تراثية، تؤكد الانتماء إلى تاريخ ومعتقدات وبيئة وهوية وعصبية وطنية.
وعلى أهمية الشخصيات الخرافية المستمدة من التراث الحكائي الكويتي فإن الخرافة في أدب الطفل الكويتي، كما تراها الرندي، لا تقتصر على استخدام هذه الشخصيات، إنما نجد العديد من كتّاب أدب الطفل يعملون في حقل آخر من الخرافة، فالكلام على ألسنة الحيوانات واستنطاق الطبيعة والأشياء والمخلوقات وابتكار شخصيات خرافية جديدة، كلها تنويع على معنى ومستويات الخرافة، قرأنا ما يجسدها لدى معظم كتّاب وكاتبات الأطفال في الكويت، وقد امتد بعضها إلى المسرح، كما في غالبية القصص التي كتبتُها، وفي قصص زميلاتي هدى الشوا وهبة مندني وحياة الياقوت وثريا البقصمي، أمل الغانم، كاملة العياد، وزميلي محمد شاكر جزاع وسواه وزميلي محمد شاكر جزاع وسواهم ممن ساهموا في إحياء أدب الطفل في الكويت.
وحذرت الكاتبة الرندي من أن تخطف الخرافة الطفل من واقعه، وتقدم له حلولاً سحرية تغرّبه عن محيطه وقيمه الأخلاقية، فتهرب القصص من تقديم حلول للمشكلات البسيطة التي يفكر فيها الطفل كلما غاص في الحياة.
وتابعت الرندي حديثها عن علاقة المسرح الكويتي بأدب الطفل الذي اعتمد الخرافة أيضاً، فقد كُتِبَت له نصوص كثيرة هدفت إلى تحريك مخيلة الطفل وإخصابها وإثرائها، إذ قدمت رائدة مسرح الطفل في الكويت “عواطف البدر” العديد من المسرحيات الهامة للطفل، من خلال “مؤسسة البدر”. وفي مجال تحويل أدب الأطفال إلى أعمال فنية لا بد من التوقف أمام تجربة الكاتب والناقد المسرحي ومقدم البرامج والمخرج علاء الجابر، الذي لعب دوراً كبيراً في إثراء خيال الطفل الكويتي، من خلال أعماله التي تنوعت بين المسرح والشعر والقصة والأغنية والأوبريت والأفلام والبرامج الإذاعية والتليفزيونية.
وختمت الرندي بالتأكيد على أهمية اختيار القصة الخرافية أو الخيالية المناسبة لعمر الطفل، ففي مرحلة الطفولة المتوسطة يستطيع الطفل ان يدرك ويميز بين الحقيقية والخيال، أما المرحلة الأولى من الطفولة فلا يتحمل فيها الطفل التعامل مع الشخصيات الخرافية المخيفة، فالكتابة للطفل من الأمور الحساسة جداً في هذه المرحلة، بسبب اتساع البياض الموجود في عقله.