عنوان يصلح لأن يكون شعاراً لما يسمى “إستراتيجية صناعة السيارات ومكوناتها”، فبعدما جاهدت حكومات سابقة فى تمرير المشروع الخاص بدعم تلك الصناعة لسنوات، تمكنت حكومة المهندس شريف إسماعيل من إعداد المشروع، فى استجابة للضغط المتزايد من المصنعين.
وعلى الرغم من أن أسعار السيارات فى سوقنا تشهد معدلات زيادة غير مسبوقة من التجار وبعض الوكلاء المستوردين، إلا أننا للأسف نجد بعض المصنعين يعملون بنفس الإستراتيجية الواضحة والصريحة، التى تسير فى اتجاه الضغط لتحقيق مزيد من الثراء وانتهاج سياسة “تهليب” المواطن، من خلال محاولة تحقيق أكبر هامش ربح دون النظر إلى تحقيق التوازن من خلال توفير سيارات بأسعار معقولة للمستهلك فى ظل الأعباء المعيشية والتضخم الحادث.
نتحدث اليوم عن دعم صناعة السيارات ومكوناتها من خلال الإستراتيجية التى أعتقد أنها لصناعة الثروات وليس السيارات.. مشروع القانون المعروض حالياً على البرلمان لدعم الصناعة يحمل 3 عوامل رئيسية، وهى: الإنتاج الكمى، وزيادة المكون المحلى، والتصدير للخارج.
دعونا نتحدث بمنتهى الحيادية، ماذا قدمت مصانع السيارات للمستهلك المصرى خلال فترة دعم ومساندة حكومية استمرت لاكثر من ثلاثين عاماً متتالية؟ صناعة استنفدت الدولة، سواء من خلال الخصومات الجمركية أو الدعم التصديرى أو الحوافز المتتالية، ومنها توجيه المناقصات الحكومية لتلك المصانع، استنزاف عملة صعبة، وغيرها من وسائل الدعم لتحقيق هدف أسمى يسير فى اتجاه النهوض بتلك الصناعة التى قادت اقتصادات دول صعوداً؟!
إننا للأسف نستطيع القول اليوم إن صناعة السيارات بعد ثلاثين عاماً من الدعم “محلك سر” ولم تحقق أى تقدم للأمام، ولم تستطع بأى شكل من الأشكال منافسة المنتج المستورد، سواء فى الأسعار أو المواصفات، بل وتطالب بمزيد من الدعم والحماية من المنتجات المستوردة، تحت مظلة إسترتيجية صناعة السيارات ومكوناتها.
بغض النظر عن طريقة إعداد تلك الإستراتيجية، والتى ظهرت للنور مؤخراً، وإقصاء عدد من المصانع التى تعمل فى إنتاج سيارات- وبعضها نفتخر أن تلك العلامات تنتج داخل مصر- من تقديم مقترحاتهم، وبخلاف إعلان رئيس رابطة مصنعى السيارات التى تضم قامات صناعة السيارات لأكثر من مرة ضرورة مشاركة الرابطة فى إعداد تلك الإستراتيجية، إلا أن حماية المصانع هذه المرة للأسف ستكون على حساب “جيب الموطن”، الذى لطالما عانى من التضخم وارتفاع الأسعار، ويطمح فى اقتناء سيارة بأسعار معقولة، وكذا على “أشلاء” مصانع أخرى قد لا تنتج أعدادًا كبيرة، إلا أنها بالوزن النسبى تتعدى إنتاج المصانع الكثيفة، لأنه يا سادة ببساطة صناعة سيارة شعبية كتلك السيارات الكورية والصينية التى تنتج فى مصر ليست كصناعة فاخرة كـ”جيب” أو “BMW”.
إستراتيجية صناعة السيارات المقترحة ستعطى الحافز للمصانع التى تستطيع تعزيز استخدام المكون المحلى فى الإنتاج، ليصل إلى 60% خلال ثمانى سنوات، ولكن إذا نظرنا إلى حقيقة نسب المكونات ومقارنتها بالنسب العالمية، نجد أن النسبة الفعلية المستخدمة حالياً لا تتعدى 23%، خاصة فى ظل تراجع القيمة المضافة فى المكون المحلى واستخدام أصناف مستوردة داخل الصناعات التى ندعى أنها مصرية.
العامل الثانى فى الحصول على الحوافز هو الإنتاج الكمى، والذى ستستفيد به مصانع بعينها تنتج سيارات تدعى أنها شعبية، ولكنها فى حقيقة الأمر سيارات تحقق لمنتجيها هوامش أرباح ضخمة، وأثبتت بالدليل القاطع أنها سيارات تفتقر لعوامل السلامة والأمان المطلوبة، بخلاف أسعارها المبالغ فيها، والتى تكاد تصل لمنتجات مستوردة.
أما الحديث عن العامل الثالث للدعم الذى يخص تصدير المصانع لنسبة 25% من إنتاجها، فهل الحكومة لديها النية لفتح أسواق تسمح للمصانع بتصدير إنتاجها فى ظل المواصفات الحالية؟ وحتى إن كانت هناك نية وإرادة، هل حكومات الدول الأخرى ستسمح لسياراتنا ذات المواصفات المحدودة بالدخول لأسواقها؟ وإن استطعنا تطوير المواصفات والعمل عليها، هل الموازين التجارية بيننا وبين الدول التى وقعت معنا اتفاقيات تجارة حرة ستسمح بمرور السيارات؟ أعتقد يجب أن نجيب على تلك التساؤلات قبل الحديث عن التصدير.
فى النهاية أتمنى أن تراجع الحكومة نفسها فى تلك الإستراتيجية قبل إقرارها من البرلمان، وطرح حوار مجتمعى عليها، للتطرق لكل المقترحات من الغرف والشعب والروابط ورموز صناعة السيارات وخبراء السوق، لمعرفة مدى استفادة المستهلك منها قبل النظر لمصالح المصنعين، لنرسم ملامح صناعة مستقبلية قوية تستطيع المنافسة، وليس إستراتيجية لصناعة الثروات وإعادة النظر فى منظومة المواصفات والجودة داخل السيارات المصنعة لتتواكب مع التطور التكنولوجى العالمى والعمل بالنسب العالمية للمكونات، وكذا ضرورة العمل على جذب الشركات العالمية لإنشاء المصانع للدخول فى المنظومة العالمية للإنتاج.