أنا سيدة تخطيت سن الثلاثين، وقد تزوجت فى السادسة والعشرين من عمرى، بعد فزع وقلق أمى، ومعايرة أخواتى لى بشكل مباشر، «يا عانس»، وكذلك خالاتى اللاتى دأبنّ على القول لى: «كبرتى وصعبانة علينا»، وعندما تقدم لى الشاب الذى ارتبطت به، فرح أبى به لأنه من فرع العائلة الغنى، وتبيّن فيما بعد أنه ليس لديه سوى دخله من الوظيفة الحكومية، المهم أنه تمت خطبتنا، وتكفّل أبى بمصاريف الخطبة، وبعد شهر عرف أننى تركت عملى، حيث إننى موظفة فيه بعقد مؤقت، وعلى الفور فسخ الخطبة، ثم عاد إلىّ بعد ستة شهور، عندما علم أننى تلقيت خطاب التعيين فى إحدى الجهات، ووافق أبى عليه من جديد، لأنه لم يتقدم لى أحد خلال تلك الفترة، وقالت أمى: «عريس وخلاص»، أما أنا فقد ترددت ثم وافقت، وتزوجنا فى بيت العائلة، ولم أجد فيه أى احترام لمشاعر الغير، بل إن شقيقاته قلن لى بكل بجاحة إنهن أحلى منى، وخصوصا أخته الصغرى التى افتعلت مشكلات عديدة معى، فهى لم تتزوج بعد، وتريد أن تأخذ ملابسى لها، لكنى رفضت، وعلم هو بذلك، فلم يتحدث معى فى هذا الأمر، وتجاهله تماما.
ومر عام لم يحدث حمل فيه، وبدأت حماتى فى «التلقيح» علىّ بالكلام، وبمرور الأيام حملت، ومعى الآن بنت وولدان، وقد حصل أخوة زوجى على شهادات متوسطة، وهو وحده بينهم الحاصل على شهادة جامعية، وتزوّج أخوه الذى يليه فى الترتيب فتاة، لم تكن والدته راضية عنها، وظلت توغر صدره تجاهها، وتوقع بينهما إلى أن تم طلاقهما، وتركت له أبناءهما، وتزوجت بآخر.
والحقيقة أن علاقتى بهم ظلت متوترة، وفضّلت الابتعاد عنهم، وحاول زوجى إيهامى بأنهم يحبوننى، وأخذ «فيزا المرتب» منى، ويضع مرتبينا معا، ونصرف على البيت، وعندما أطلب منه أن يخصص لى مصروفا يرد بدبلوماسية: «هوه أنا باخد حاجة لنفسى.. كله لك انت وعيالك».. وزوجى على علم أننى أزور أسرتى كل يوم، ويعرف أننى أساعدهم فى حل أى مشكلة.. ولكن كيف أستمر فى مهمتى معهم، وأنا ليس معى أى مدخرات؟.. لقد اعتبرت أمى هذه المساعدة فرضا علىّ، ورأى أبى أن ما أقدمه ضرورى، خصوصا بعد أن كبر فى السن، ويحتاج إلى من يقضى مصالحه، أما أشقائى الذكور فقد انغلق كل منهم على حياته.. وأما عن الجانب الآخر فإن حماتى هى المسيطرة على البيت، وحماى لا يحرك ساكنا.. أنا مضغوطة و«زعلانة جدا» من الكل، ولا أستطيع شراء شقة خاصة بى، وبرغم ما أقدمه، فإن أمى ترى أننى «ماسكة إيدى».. يعنى بخيلة، مع أننى لم أقصّر فى أى واجب معها، أو مع أخواتى، وبرغم كل شىء أقول إنهم أصحاب فضل علىّ.
إننى أعيش الآن حياة كلها متاعب وآلام، فبعد كل ما قدمته تقول لى أمى: «أنتى ابنة عاقة»، وحاولت حماتى أن تترك لى أبناء سلفتى المطلقة، وزاد العبء علىّ بسبب سلبية زوجى، وتركه مسئولية الأبناء على عاتقى من حيث التربية والمذاكرة وكل ما يخصهم، ومع ذلك يردد على مسامعى أننى أدللهم، برغم أنهم من الأوائل، ويشهد الجميع بأدبهم، وأخلاقهم الحسنة، والكل يلوموننى، فهل أنا سيئة لهذه الدرجة؟، وماذا أفعل فى حالة الانطواء التى بلغتها، فلم تعد لى علاقات مع الآخرين، وأصبحت معاملاتى تنحصر فى أضيق الحدود مع زميلات العمل، ولا تزيد علاقاتى مع الجيران عن إلقاء التحية، فكيف تستقيم حياتى فى هذا الوضع، وهل من حل لما أعانيه من متاعب مع أهلى وأهل زوجى؟.
> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
أين أشقاؤك من مساعدة أسرتك؟، ولماذا يلقون عليك بالعبء كله، ثم كيف تقول أمك إنك ابنة عاقة، وأنت تقدمين لهم يد المساعدة قدر استطاعتك، وكذلك الأمر بالنسبة لحماتك، وزوجك؟.. واقع الحال أنك فى حاجة إلى أن تتعاملى مع الجميع بمنظور مختلف، وأن تحددى مع زوجك ما فى استطاعتك أن تقدميه لحماتك، وبالطبع، ليس من حق أحد أن يجبرك على رعاية أبناء شقيق زوجك بعد طلاق أمهم، وزواجها بآخر، فهذا أمر يخص أبيهم وحده، ولا دخل لك فيه، وبالطبع إن استطعت أن تساعديهم بشكل أو بآخر، فيكفيك ذلك، ولكن يجب أن تتوقف حماتك وبناتها عن التربص بك، وزوجك هو المنوط به أن يتصرف فى هذا الأمر، وأن يسعى إلى تهدئة الأوضاع فى المنزل، وأن يتحمّل مسئولية أبنائه، فلا يعقل أن يلقى عليك باللائمة فيما يخصهم، وهو المسئول الأول عن توجيههم ورعايتهم، ويكون دور الأم مكملا لدوره، وليس الدور الأساسى.
وبشكل عام، فإن الأفضل لكل زوجة أن تضع تصورا لآلية العلاقة بينها وبين حماتها لتكون فى حدود المودة والاحترام والتفاهم دون التعمق فى العلاقة حتى لا تتعرض لمكائد حماتها، ويجب أن تنصت لها بعناية ودقة، وأن يكون كلامها قليلا، فهذه أسلم طريقة للتعامل معها، فبالإنصات للحماة أكثر يمكن التعرف على ما يدور فى رأسها، ومن ثمّ يسهل التعامل معها، ويجب على زوجك أن يتفهم الأمور، وأن يحاول الإصلاح بينك وبين أمه، واستئصال أسباب الخلاف والشقاق بينكما، كما يجب عليه تقديم النصح والإرشاد لأمه بطريقة حسنة ولينة لقوله تعالى: «ادفع بالتى هى أحسن».
إننا يجب أن نضع حدودا للعلاقات الإنسانية بمحيطنا القريب والبعيد، بحب واحترام، لتساعدنا فى تحقيق هدفنا بالارتقاء بأنفسنا وعلاقاتنا، ولكن فى الوقت نفسه يجب ألا تكون هذه الحدود حواجز تقف أمام علاقات الناس بالمقربين منهم، بسبب فهمهم الخاطئ لمعنى العفوية والتلقائية فى التعامل، إذ إن هناك فرقا كبيرا بين العفوية والعشوائية، فالأولى لا تسمح للإنسان بالتعدى على حدود الآخرين، أما الثانية فهى فوضى تظهر فى المعاملات وتبرر بها الانفعالات غير المحسوبة، ويجب رسم الحدود فى العلاقات العائلية والاجتماعية بحب وتقدير للطرف الآخر، وأن يكون الهدف منها مصلحة العلاقة وحفظ خصوصية واحترام الآخرين، وبالطبع فإن هذه الحدود قابلة للتعديل والتطوير باستمرار، لأنها عملية مرتبطة بالممارسة، ووعى وذكاء أطراف العلاقة، وكلما استخدم الإنسان الأسلوب المناسب فى ترجمتها على أرض الواقع، استطاع بناء علاقات ناجحة ضمن نظام متكامل للتعامل مع الذات والآخر.
فى ضوء ذلك أعيدى النظر فى طريقة تعاملك مع الجميع، وحافظى على مسافة مناسبة مع أهل زوجك، وعليك البر بأهلك، وعدم قطع تواصلك معهم، فصلة الرحم، مهمة، واهدئى بالا فى كل تصرفاتك، ولا تحمّلى نفسك فوق ما لا تطيق، وبمزيد من العقلانية وحسن التصرف، سوف تصبح الأمور على ما يرام بإذن الله.