#لعل أكثر بل وأهم وأخطر ما يعنينا نحن كإعلاميين في تسريبات ما يُعرف (بوثائق بنما) هو أن
هذا السبق الصحفي العالمي العملاق يكرس بقوة لمرحلة جديدة في دنيا الإعلام…باختصار لقد بدا وكأن (عالم صحافة الكلمات) أو دنيا (صحفيي الكلمات) أمثالنا قد أخذ يشهد تحولا جذريا تجاه عالم آخر اسمه صحافة البيانات.
# ففي خضم أعظم ثورة رقمية معلوماتية في تاريخ الانسانية ، لم تعد مشكلة اي اعلامي هو نقص البيانات والمعلومات وإنما صارت المشكلة الأضخم والأعظم هو هذه الوفرة الرهيبة في المعلومات ، وهذا التدفق المجنون في البيانات والأخبار والإحصائيات والأرقام.
# باختصار ولى عصر (صحفي الكلمات) الذي ينتظر الخبر او السبق الصحفي من وكالات الأنباء او من مصادر مطلعة او عليمة ، وحل محل صحفي الكلمات صحفي البيانات.
# صحفي البيانات الاستقصائي هو مؤهل بأليات احصائية وبتطبيقات كمبيوترية وبأدوات مناهج البحث الاجتماعي لتحليل آلاف او ربما ملايين الوثائق لاستخرج سبق صحفي لم يبق له مثيل.
# هناك مثال بسيط للغاية قد يساهم في تسليط الضوء على هذا النوع الصحفي الجديد (وهذا المثال البيسط للغاية موجود في كتاب صحافة البيانات الذي أنتجته الجزيرة)
# افترض جدلاً ان ثمة حريقا اندلع في مبنى من المباني.
# الصحفي العادي – صحفي الكلمات- سيغطي هذا الحادث من منظور الإجابة على التساؤلات الخمسة المعروف من ، ماذا ، كيف ، اين ، ولماذا .
# اما صحفي البيانات فسيقوم بتحليل كل الوثائق والمعلومات المتعلقة بأداء رجال الإطفاء على مدار السنوات الماضية ، وذلك باستخدام معايير إحصائية للحصول على سبق صحفي يفوق الحدث نفسه.
# هذا السبق قد يتعلق بمدى كفاءة رجال إطفاء الحرائق ومدى انتشار او انحسار هذه النوعية من الحرائق ونسبة المفتعل فيها من العارض …إلخ.
# وسأزيدنكم من الشعر بيتا….جميكم تذكرون انفراد وكالة رويترز الأخير بتحقيق إخباري يفيد بأن ما دخل سوريا من معدات عسكرية يفوق ما خرج منها.
# لقد كان من بين الأدوات التي استخدمتها الوكالة في تحليل البيانات جمع صور السفن الروسية التي نشرها هواة على مضيق البوسفور ثم ملاحظة ما إذا كان خط غاطس السفينة فوق سطح الماء او تحت السطح…فاذا كان فوق السطح كان ذلك يعني ان حمولة السفينة خفيفة والعكس بالعكس.
# ومن هذه الملحوظة الصغيرة تبين ان السفن المتجهة لسوريا أثقل حمولة من تلك الخارجة منها ، وهو ما يعني منطقيا أن ما دخل سوريا من معدات وأسلحة اكثر مما خرج منها.
# وسائل الإعلام العالمية بدأت فعلا تخطو خطوات حثيثة على هذا الدرب الجديد…درب المستقبل…درب صحافة البيانات الاستقصائية…ومن ثم اصبح لزاما على كل صحفي ان يتعلم مهارات هذا العالم الجديد…فقد بدأ العالم فعلا في وداع عهد صحفي الكلمات المحض.
