Home بأقلامهم طارق سعد يكتب: قضية الكلاب.. بين الرحمة والسمّ …

طارق سعد يكتب: قضية الكلاب.. بين الرحمة والسمّ …

طارق سعد يكتب: قضية الكلاب.. بين الرحمة والسمّ …
0

تحقيق صحفي بجريدة مصرية عريقة، أحدث جلبة ولغطًا كبيرًا، فعنوانه كان صادما، يحذر الناس من اطعام حيوانات الشارع، ويبدو كأنه نفير وناقوس خطر مرعب، وقد احتوى على مغالطات خطيرة، وكان متجنيًا على الطرف الأضعف، كما حدث في أغلب المرّات التي تناول فيها اعلامنا الموقر هذه القضية التي تثار بشكل متكرر، وهي قضية حساسة، لأنها تمس جوهر العلاقة بين الإنسان والحيوان، وقيم الرحمة والانسانية، وسوء فهم هذه العلاقة أو تحريفها يؤدي إلى نتائج كارثية للمجتمع وللحيوانات.
التحقيق قدّم بعض النقاط السليمة التي لا خلاف عليها، مثل أن تقديم الطعام النيء للكلاب قد يسبب أضرارا خطيرة، وأن الرقابة على الجمعيات العاملة بمجال حقوق الحيوان مطلوبة، خاصة وأنها تجمع تبرعات مالية، وأن إنشاء ملاجئ للحيوانات حل حضاري وإنساني.
لكن من العجيب أن يقدم التحقيق تقديرات متضاربة مذهلة عن أعداد الكلاب، من 6 ملايين إلى 40 مليونًا أو أكثر، وأرقام خيالية عن حالات العقر. لو افترضنا صحة هذه المعلومات لكان في كل بيت قطيع كلاب وشخص معقور. فهل نجد شخصا واحدا يخبرنا أن في مدينته مربعًا سكنيا تنطبق عليه هذه الفرضية؟
وفي التحقيق استخدام مغلوط للدين الرحيم، بزعم أن تعاليمه تبيح ترك الحيوان بلا طعام ولا رعاية، بل قد يُصوَّر المحسن للحيوان كأنه مخالف للدين. هذا قلب للحقائق، فالدين جوهره رحمة، نراها متجسدة في أفعال الرسول الكريم والصحابة والسلف الصالح، وفي القصص القرآني، والحديث الشريف والحديث القدسي.
التحقيق تجاهل أن الكلاب لم تحتل شوارعنا، بل هي جزء أصيل من بيئتنا منذ قرون. الكلب البلدي ليس حيوانا مفترسا، ولا هو صياد، كما انه لم يقتحم حياتنا، اذ لا يعيش في غابة أو بحر أو صحراء قاحلة، بل هو حيوان “داجن” أليف، ارتبط بالإنسان واعتبره أحب وأهم صديق، لا لشيء الا أن ذلك حكم الله وحكمته، ونحن الذين احتللنا بيئة الكلاب في المدن وطاردناهم في الصحاري، بلا تنظيم أو إدارة.
ورغم الاستعانة بخبراء، إلا أن التحقيق تبنى وجهة نظر واحدة فقط، كأننا أمام محكمة فيها متهم وقاضٍ بلا دفاع، وهذا إخلال بالمعايير الصحفية، كما أن أسلوب الكاتبة جعلها طرفًا في القضية، لا ناقلًا محايدًا. نبرتها كانت مليئة بالتحامل والكره، ما يكشف الهوى والميول ويجعل التحقيق الصحفي أشبه بمرافعة شخصية ضد الكلاب.
من اللافت أن هذه القضية تتكرر إعلاميًا بشكل متواتر، وكأن هناك توجهًا لإبرازها أو تضخيمها بطريقة محددة، بدل البحث عن حلول فعلية على الأرض. هذا يطرح تساؤلات حول طريقة إدارة القضايا الاجتماعية وكيف يمكن أن يؤثر الإعلام “الموجّه” على وعي المجتمع واستجابته.
بهذا الأسلوب، يتم تشويه الصورة وتبرير الكره والتعذيب والقتل، في حين أن الأجدى هو توجيه الجهود إلى التعقيم والتطعيم، وإنشاء الملاجئ، وتنظيم تربية واقتناء الكلاب، والتوعية بقيم الرحمة التي هي جوهر الدين والإنسانية والحضارة.
فليكن التركيز على الحلول العملية والعلمية، والتربية الحضارية للمجتمع، لمنع
الكوارث والفضائح الناتجة عن القسوة المفرطة ضد أوفى صديق للانسان.