Home صحف ومجلات جريدة عُمان :”هيكل “الكاتب الذي عز في عصره مثله
0

جريدة عُمان :”هيكل “الكاتب الذي عز في عصره مثله

جريدة عُمان :”هيكل “الكاتب الذي عز في عصره مثله
0

مسقط – وكالات الانباء: تواصل الصحافة العمانية وكافة وسائل الاعلام في سلطنة عمان الاشادة بالأستاذ محمد حسنين هيكل. وهي تعبر في ذلك عن المواقف الثابتة للسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان التي تعكس دائما تقديره ومحبته لمصر. من جانبها نشرت جريدة عمان – التي تعد أعرق صحف سلطنة عمان – تحليلا – حول شخصية الأستاذ محمد حسنين هيكل ذكر فيه كاتبه الأستاذ أحمد الفلاحي :امضى الأستاذ محمد حسنين هيكل سنوات عمره كله منافحا عن القضايا العربية ومدافعا عنها ولم يتزحزح عن ذلك قط.
وهو في الأول والأخير بشر لا يمكن وصفه بالكمال المطلق ولكن «كفى المرء نبلا أن تعد معايبه» وقد يختلف فلان مع بعض آرائه وقد يقبل فلان كل تلك الآراء أو أكثرها ولكنه يظل – اتفقنا أو اختلفنا – الشخص المتفرد المتميز الذي نفتخر ونتفاخر به كعرب ونعتز بشخصيته النادرة المثال التي فرضت نفسها على كل العالم من اليابان والصين وحتى أوروبا وإفريقيا وأمريكا وأمريكا اللاتينية.عربي انتشرت كتاباته في العالم كله ولم يبارح لحظة منهجه في خدمة القضايا العربية والتأكيد عليها مهما تأزمت الأحوال ولم يمد يده قط لتصافح العدو. ولو لم يكن له إلا هذا فهو عندي كاف وزيادة. ومواقف الإنسان في حياته وآثاره هي التي تهبه الخلود إلى أبد الآبدين.
ان الموت مبيد الحياة والأحياء وتلك هي مهنته الأزلية. نزل أخيرا بفناء الكاتب العربي الأشهر الأستاذ محمد حسنين هيكل مختطفا روحه الوثابة المتدفقة التي طالما زخرت بالحياة بعد عمر أمتد لما يقارب القرن من السنوات أمضاها في الصدارة بين بني زمنه من العرب أو من بقية أمم العالم يحلق به قلمه السيال وفكره الواسع في أعالي السموات متقدما على الكثير من نظرائه من صناع الكتابة ومحترفي الإبداع في القول من المبرزين المرموقين محرزا من الشهرة والمجد مكانة عجز الكثير من الكتاب عن ارتقائها وبلوغ ذراها.
الشعراء العرب الذين أسسوا الشعر العربي واختطوا دروبه الأولى كانوا يتذمرون دوما من الثمانين ويشتكون من قسوتها ولكن كاتبنا الفذ هذا عاش حياته الطويلة غير متبرم بها بل متفاعلا معها منسجما مع دوراتها ثابتا في مواجهة تقلباتها واضطرابها وشدة دورانها بقوة عزم ظل حتى اللحظات الأخيرة جياشا منطلقا لم تنله حالة السأم والفتور وهو وإن استأذن بالانصراف في عامة الثمانين ولكنه سرعان ما عاد وواصل مسيرته في الكتابة التي لم يفارقها حتى أيامه الأخيرة.
الحياة هكذا دأبها لا بد فيها من الموت وإن طال العمر وأمتد ولكن الأعلام المميزين أمثال الأستاذ هيكل يكون افتقادهم كبيرا ومؤثرا لكأن الناس يستبعدون غيابهم وانطفاء شعلتهم ولقد أطلق شاعرنا العربي الأكبر نزار قباني وصف الهرم الرابع على الزعيم جمال عبد الناصر غداة رحيله واليوم إن شبهت أقلام الراثين الأستاذ هيكل بالهرم الخامس فهي غير مبالغة في نعتها ذاك. إنه الرجل الأمة وليس الرجل الفرد.
رجل تفتح وعيه على أمته العربية وهي خاضعة لنفوذ الاستعمار الإنجليزي أو الفرنسي وحتى الإيطالي ثم تابع فترة الثورات لطرد المحتل وعاش حالة الزهو التي مرت بها الأمة لزمن يسير تخللتها المؤامرات المتوالية التي كانت تحاك ضدها لإجهاض نهضتها وكان شاهد عيان على الهزيمة المروعة حين حلت بسبب تلك المؤامرات وعلى الجهود الكبرى لتجاوزها وصولا إلى لحظة الانتصار المدوي وقد أوشك أن تتحقق به أحلام العرب لولا توهمات ورؤى غير دقيقة أضاعت ذلك الانتصار وأدت إلى التسليم للعدو والقبول بتسلطه ومد اليد لمصافحته ومن ثم الانهيارات المتوالية من سيئ إلى أسوأ.
كان الرجل في خضم تلك الأنواء المتلاطمة والظلمات المدلهمة مصباح إضاءة يرشد ويبصر ويدعو إلى الطريق القويم السوي وذاك هو شأنه منذ بواكير شبابه الأول وحتى يوم رحيله.
ثابت على المبدأ لم يتغير ولم ينحرف ولم تغرره بهرجة الأضواء الكاذبة والخادعة. قال كلمته وجهر بدعوته حتى في أحلك الظروف وشدة الاضطراب إلى أن وجد نفسه في أسوار السجن ذات مرة وخرج منه وهو أقوى صلابة وأعظم إصرارا وأكثر إيمانا بصواب رأيه وسلامة معتقده.
منذ «الإيحبشن جازيت» وقد دخلها في المرحلة الأولى من حياته استطاع أن يلفت الأنظار إليه ويبهر رؤسائه ومتابعيه بموهبته القوية المتفردة. تلك الموهبة التي قادته ليكون أحد أبرز نجوم جريدة «أخبار اليوم» بتحقيقاته عن حرب فلسطين ثم عن الحرب الكورية ثم أوضاع إيران الملتهبة وغيرها من أحداث ذلك الزمن. ومن هناك قفز ليكون رئيسا لتحرير مجلة «آخر ساعة» ويصبح بذلك أصغر صحفي في العمر يتسيد أعلى موقع في مطبوعة صحفية متحققة وصولا إلى رئاسة جريدة «الأهرام» وقد استطاع إيصالها لتصير واحدة من ضمن العشر الصحف الأولى في العالم كله. وحين خرج منها ظل صوته قويا يحلق بين أعالي النجوم أكثر مما كان وهو فيها. وهناك بدأت مرحلة إنتاجه للكتب القيمة المهمة التي زادت عناوينها اليوم على الخمسين بعضها باللغة العربية وأكثرها باللغات الأخرى وغدا من حينها يصنف كواحد من أكبر وأغلى خمسة كتاب في الدنيا الواسعة كلها تسعى إليه دور النشر والصحف الكبرى ليكتب لها وأذكر أن مقالاته بالعربية في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي كانت تنشر في وقت واحد في معظم الصحف العربية إن لم يكن كلها في مشرق الوطن العربي ومغربه ويتهافت الناس على قراءتها بلهفة شديدة لما تحتويه من عميق التحليلات وجديد المعلومات. وكان وقتها محاربا في وطنه مصر ومحظورا عليه النشر في صحفها وكانت كتبه ممنوعة من دخول مصر.
وقد أخضعته الدولة لتحقيق أمني مطول استمر لشهور عديدة خرج منه فيما بعد بكتابه الشهير الممتع «وقائع تحقيق أمام المدعي الاشتراكي»
كاتب تربع عرش الكتابة متميزا ولم يستطع بلوغ مستواه أي كاتب عربي على الإطلاق في الزمن الذي عاش فيه.
يسعى لنحوه الرؤساء ويتودد إليه الزعماء ويقف عامة الناس ونخبهم صفوف طويلة غداة نشر كتبه للظفر بنسخة منها وتتوالى طباعة كتبه كلما نفذت طبعة ظهرت أخرى.
تميز بأسلوبه في الكتابة الذي لا يجاريه فيه أحد فله جملته الخاصة التي لا يحسنها سواه جملة مركزة مكتنزة بليغة الصياغة دقيقة المعنى تصلح أن تكون مثلا أو حكمة ولا يتسع المجال هنا لنقل نماذج منها وكتابته السياسية – وكل كتاباته في السياسة- يجد بها القارئ إضافة إلى اللغة الأدبية الراقية السرد الشيق الجاذب فهي أشبه ما تكون برواية خيالية لولا أنها تحكي الواقع بحرص مسنود بالوثائق.
وشاهد الشعر على لسانه دوما في أي موضوع يخوض فيه سواء الشعر القديم أو المعاصر وأكثر شواهده المتنبي من الأقدمين وشوقي من المتأخرين وقد ذكر مرة في إحدى مقابلاته أنه يحفظ عشرة آلاف بيت من الشعر العربي.
قال البعض أن حظ هيكل من الشهرة كان بسبب الصدفة التي جمعته بعبد الناصر بعد الثورة وأنه استحوذ عليه ومنع الآخرين من الوصول له وما أبعد ذلك عن الحقيقة فهيكل كان صحفيا لامعا قبل الثورة وكان له اسمه الذائع وشهرته الواسعة وأتيح له مقابلة العديد من المشاهير من العرب ومن غيرهم ويكفي أن نعلم أن كتابه الأول «إيران في بركان» صدر عام 1951 سابقا للثورة بعام كامل. وبعد وفاة عبد الناصر وقرار السادات إخراجه من «الأهرام» هل انطفأ وهجه وتراجعت مكانته؟ أم أنه زاد تألقا ولمعانا وعلت منزلته في العالم بفضل كتبه التاريخية المهمة التي توالى صدورها وجرت ترجمتها إلى أغلب لغات العالم وهو يظلمها ويظلم نفسه إذ يقول أنها ليست كتب تاريخ وأنه ليس بمؤرخ!! وأولئك الذين حجبهم واستولى على المكان الرفيع دونهم لماذا لم يبرزوا أيام السادات ويقدموا أنفسهم للعالم وقد خلى الموقع لهم ولم يعد ثمة من يزاحمهم أو يبعدهم لماذا لم يسطعوا ويتركوه هو في الهامش بعيدا عن ألق السلطة وهيلمانها وهو المغضوب عليه حينها!! أنا هنا أود القول لكل من يأتي اليوم ليقلل من قيمة هيكل وإمكاناته أن يذكر لنا اسم كاتب عربي واحد من الكتاب المعاصرين استطاع الوصول لمستواه وأنا أزعم أنني قارئ ومتابع لمعظم الكتاب العرب وما وجدت من هو مثله أو يقترب منه.