Home بأقلامهم أحمدالبرى يكتب .. المركب المائل !

أحمدالبرى يكتب .. المركب المائل !

أحمدالبرى  يكتب .. المركب المائل !
0

شجعنى على الكتابة إليكم ما لمسته فيكم من رحابة صدر، وقدرة على علاج مشكلات قراء بابكم ذائع الصيت، وقد بحثت كثيرا عن علاج لمشكلتى، وفشلت بعد أن تكاتفت ضدى الظروف. وسيطرت علىّ المتاعب من كل جانب، فأنا فتاة فى الثالثة والأربعين من عمرى أعمل وكيلة مدرسة لذوى الاحتياجات الخاصة. وقد نشأت فى أسرة ميسورة الحال لأبوين تغلبا على ما واجههما من عقبات، واجتهدا فى تربيتنا ووضع أقدامنا على الطريق السليم، ورحل أبى عن الحياة، ثم لحقت أمى به منذ سبع سنوات، ولى ثلاثة أشقاء، ولدان وبنت، والتحق أخى الأكبر بعد تخرجه بجهة حكومية، وعملت شقيقتى فى أكثر من جهة، وهى الآن بلا عمل،. وتتقاضى هى وأخى الأصغر معاشا عن والدى، وآخر عن والدتى، ونحن جميعا نتمتع بمكانة طيبة فى نفوس أقاربنا ومعارفنا، ويشهد الجميع بدماثة أخلاقنا.
وما أعانيه، ودفعنى إلى أخذ مشورتك له جوانب عديدة، وأبدأ بأخى الأكبر، فهو أساس تعبنا طوال ثلاثين عاما مضت، وعانى منه أبواى رحمهما الله، وبذلا كل ما فى وسعهما لعلاجه، لكن حالته تزداد سوءا، فهو مصاب بمرض «الفصام»، وقد صبرنا عليه، ومازال الصبر حليفنا فى التعامل معه، ونتحمل الأجواء المتوترة فى المعيشة معه، ولا أستطيع أن أصف لك معاناة والدتى الحبيبة التى ذاقت الأمرين ولم يهنأ لها بال، وهى تراه على هذه الحال، إلى أن رحلت عن الحياة، وهى حزينة عليه، ثم دخلت أختى التى تكبرنى بثلاث سنوات فى حالة اكتئاب شديدة، ولم تعد تغادر المنزل أبدا، بعد أن كانت تعمل طول الوقت، وتنقلت بين العديد من الشركات والمصانع لسنوات طويلة.
ولعلك تسألنى: ألم يطرق بابكما أحد للزواج، ومن ثم تستقران بعد طول معاناة؟.. وأجيبك بأن الكثيرين أرادوا الارتباط بنا، ولكن لم يكن لنا نصيب فى أى منهم، ومازال يطرق بابى من يرغب فى الزواج منى. لكنى لم أجد بينهم من هو قادر على أن يخرجنى من حالة الحزن والكرب التى تسيطر علىّ، وكم تمنيت أن تدخل الفرحة بيتنا طوال السنوات الماضية، ولكن هيهات أن تعرف طريقها إلينا، فلقد حوّل أخى الأكبر حياتنا إلى جحيم، وفصلته جهة عمله، وصار ملازما المنزل لا يغادره إلى أى مكان، ويعيش كل منا فى واد، وأرعى أنا وأختى شئون أسرتنا دون أن يكون له دور فى حياتنا، لكنه يقف أمامنا بالمرصاد، ويكاد يفتك بنا بلا سبب، ولا نستطيع التعامل معه بأى شكل من الأشكال.
صدقنى ياسيدى اننى برغم ارتياحنا المادى ووجود الكثيرين حولنا، لم أذق طعم السعادة الغائبة تماما عن بيتنا، وأشعر بالوحدة القاسية، ولا أجد سندا فى الحياة بعد رحيل والدتى، ويطاردنى الخوف فى كل مكان أذهب إليه، فلا أعرف سبيلا إلى الراحة النفسية، حتى وأنا بين زميلاتى فى رحلة تدريب أو فى بعثة خارجية تابعة للعمل، ولا ألمس طريقا إلى النجاة من براثن هذه الحياة القاسية.
لقد فكرنا كثيرا فى الخروج من هذا البيت، والزواج ممن يتوافر لدينا الارتياح النفسى تجاههما، وجاء أختى رجل مطلق، لم تجد مانعا من الارتباط به، لكن شقيقى رفضه، ولم يبد سببا واحدا لكى يقف منه هذا الموقف، ولم يبال بمعاناتها، ولا بأنها قد تظل بلا زواج مدى الحياة، ولم تكن هناك وسيلة أمامها للخلاص من الكابوس المخيف بعد أن بلغت هذه السن سوى الزواج العرفى من هذا الرجل على أمل أن يلين موقف شقيقنا، فيتحول ارتباطهما إلى زواج رسمى!، وهكذا فإنها تلتقى زوجها سرا بينما تقيم معنا، ولا يعلم بأمر هذا الزواج أحد سواى!!
أما أنا فلقد تمت خطبتى مرة واحدة فقط، ولم يكتمل الزواج بلا سبب واضح، وتعقد الدهشة لسان الكثيرين، فلا يجدون ما يعلقون به على ما يحدث لى، فهم يصفوننى بالسندريللا، ويروننى فتاة ملتزمة وصابرة، ولا ينقصنى شىء، وما يحدث لى ليس له تفسير، ولقد تقدم لى شاب منذ شهرين، شعرت نحوه بالحب منذ أول مرة التقينا فيها، وتمنيت من داخلى أن يكون نصيبى فى الحياة. وهو أصغر منى بعشر سنوات، ومتزوج ولديه طفلتان صغيرتان، وعلى خلاف كبير مع زوجته، لكن أسرتى رفضته، ورأت أنه غير مناسب لى، وسكت، ولم أنطق بكلمة واحدة، فبرغم ارتياحى له فإننى وجدت أن زواجى منه يتعارض مع المبادئ التى تربيت عليها بألا آخذ رزق غيرى، ولا أقطف وردا ليس من حقى أن أقترب منه.
وما استوقفنى فى حكاية هذا الشاب هو رد فعل أختى التى تلازمنا فى البيت، ولا تغادره إلا بضع ساعات للقاء من تزوجته عرفيا، فعندما علمت بقصتى معه أصيبت بتعب شديد، فهى ترفض زواجى، أو سفرى إلى مهمة خاصة بالعمل خارجية أو داخلية، وتريدنى أن أكون «بروازا خالدا» لايتحرك من مكانه، وشرحت للشاب الذى يرغب فى الزواج منى تبعات تقدمه لطلب يدى، فعرض علىّ الزواج سرا إلى أن تهدأ الأمور ولكنى فضلت السعى لدى إخوتى لنيل موافقتهم عليه، ومضت شهور وأنا فى انتظار أن يأخذوا خطوة إيجابية نحو زواجنا، ولما فاتحته فيما يعتزمه تجاهى إذا به يخبرنى بأن كل شىء نصيب.. لقد تركنى وسط الطريق بعد إحساسى بالأمان نحوه. وتغيرت نظرتى إلى الحياة بوجوده معى، وأشعر الآن بأن جبلا قد وقع فوق رأسى، وزلزالا هز كيانى.
وانى أسألك أليس الحب والسعادة من حقى بعد كل ما عانيته من متاعب لأجل أخوتى؟ وما ذنبى اننى ارتحت لهذا الشاب؟ صحيح أنه متزوج، ولكنه أزال الخوف من قلبى، واحتوانى بصدقه وحنانه، وألتمس له العذر فى الابتعاد عنى بسبب موقف اخوتى، ولقد صرت عاجزة عن اتخاذ قرار مصيرى بشأن ماتبقى لى من عمر، ودعوت ربى كثيرا أن أجد حلا يريحنى من العذاب، وأنا فى هذه السن، وأصرخ من أعماقى: كيف السبيل إلى الخلاص من المتاعب والآلام؟ فنحن الأربعة نعيش حياة غير مستقرة ويتمايل بنا مركب الحياة، ولا نعلم إن كان سيغرق بنا أم سيذهب إلى أى مرسى؟ وما هو الحل للخروج من هذه الشرنقة التى أطبقت علىّ فحولتنى إلى إنسانة حزينة، لا تفارق الدموع عينيها، ولا تعرف الابتسامة إليها طريقا؟ فأنا ـ والله ـ لم أحد يوما عن طريق الصواب، وأراعى ربى فى كل خطواتى، وأنا على يقين من أنه يختار لى الأحسن والأفضل، وأن علينا دائما أن نأخذ بالأسباب، ولذلك أبعث إليك بحكايتى، وأنتظر ما سوف تشير به علىّ لكى آخذه منهجا أتغلب به على الصعاب، واسترشد بما فيه من نصائح فى مشكلة الزواج والاستقرار، ولتكن نصيحتك لنا أنا وأختى الملاذ الأخير بعد أن تعقدت الأمور من حولنا، فلا أنا تمكنت من الارتباط بمن ارتضاه قلبى، ولا هى استطاعت أن تعيش كالآخرين.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لعبت الظروف الحياتية التى مررتم بها دورا كبيرا فيما آلت إليه أحوالكم، فأخوكم الأكبر هو المسئول عنكم من الناحية الاجتماعية بعد رحيل أبيكم، وبدلا من أن يكون لكم سندا فى الحياة، فإنه تحول إلى عبء عليكم، نتيجة إصابته بمرض الفصام، وهو مرض يحتاج إلى أسلوب خاص فى المعاملة، وعدم التعرض للمريض أو الحديث معه طويلا، مع الحرص على إشراكه فى المناسبات الاجتماعية المختلفة حتى لاتحدث انتكاسة له، لكن ذلك لايعنى أن يكون صاحب القرار فيما يتعلق بكم من أمور كالزواج مثلا، إذ إنه لن يتفهم الأمر على صورته الصحيحة. وسيظل على عناده ورفضه من يتقدمون إليكما، ليس من باب أنه لا يوجد بينهم من يصلح زوجا مناسبا ولكن لأن طبيعة مرضه هى التى تدفعه إلى هذا الاعتقاد.
ولا يبرر ذلك لأختك أن تتزوج عرفيا ـ على حد تعبيرك ـ من رجل مطلق، أو سرا بحيث لا يعلمه أحد، حتى إنها أفضت إليك بزواجها هذا، بعد أن ارتبطت به بالفعل، فالزواج إشهار، وارتباطها على النحو الذى أشرت إليه غير صحيح، وينبغى أن تعقد زواجها من جديد بشهود وإشهار وإبلاغ العائلة كلها، وأقصد بها أعمامكم وأخوالكم وأقاربكم، وهو ما يتعين عليك أيضا أن تفعليه، وحسنا انك لم تنجرفى إلى هذا الصنيع الذى كدت أن تقعى فيه، فأغلب الظن أن هذا الشاب المتزوج الذى يصغرك بعشر سنوات ولديه طفلتان، قد أوهمك بأنه يحبك وسوف يتقدم لأخوتك بطلب يدك لعلمه بظروفكم ومرض أخيك. وتأكده من أنه سيقابل بالرفض، فيكون ذلك مبررا لكى يعرض عليك الزواج العرفى أو السرى كما حدث لأختك فى تكرار لمأساة أخرى، حتى إذا تمكن منك ونال غرضه، واستنفد ما كان يبغيه سواء كان مالا أو خلافه، فإنه سوف يلقى عليك يمين الطلاق أو الاختفاء من حياتك إلى غير رجعة.
هذا هو ما يفعله الكثيرون ممن لا ضمير لهم مستغلين الظروف التى تمر بها بعض الفتيات فيجدونهن صيدا سهلا، حتى إذا تمكنوا منهن، ونالوا أغراضهم، نبذوهن من حياتهم، وتركوهن عرضة للضياع مع ذئاب أخرى ممن لا ضمير لهم ولا أخلاق، صحيح أن من حقك أنت وأختك الحياة الطبيعية والزواج وتكوين أسرة، ولكن ليس بهذه الطريقة المحكوم عليها بالفشل، بدليل أن أختك المتزوجة عرفيا والمفروض أن تكون مع زوجها فى بيته، لانريدك أن تتزوجى لأنها موجودة فى بيتكم ليلا ونهارا، ولا تغادره إلا لعدة ساعات تكون خلالها بصحبة من تزوجته عرفيا، وهو أمر يجب تصحيحه على الفور بإبلاغ أقاربك بما حدث، وعقد قرانها رسميا أمام الجميع، ثم الانتقال إلى بيت زوجها مثل كل البنات والسيدات، وإقامة أسرة صغيرة، وعليك أنت أيضا أن تصنعى الصنيع نفسه، فإذا كان الشاب الذى يريدك جادا فى الارتباط بك، فليخبر زوجته، ويكون عقد قرانك عليه فى حضور أهله أيضا وبموافقتهم، فالخطر ليس فى انك ستكونين زوجة ثانية، ولكنه يكمن فى ضرورة التأكد من أن هذا الشخص لا يتسلى بك، وليست لديه مآرب شخصية من ارتباطه هذا حتى إذا نال ما أراده نبذك من حياته، فتعضين نواجز الندم، وتتحسرين على تفريطك فى حق نفسك، وربما تكون لهذا الزواج الوهمى تداعيات أخطر من ذلك بكثير.
أما بالنسبة لأخيك، فأرجو أن تكسبوا وده بكلمات حانية. وأن تمتصوا غضبه ولا تتخلوا عنه، فهو فى حاجة إلى العلاج النفسى المستمر حتى لا تتدهور حالته تماما، وأعتقد أنك وأختك لم تتابعا حالته من زمن بعيد، ومن هنا يجب أن تصبرا عليه، فمن المنطلق الانسانى أنت شخصية ايجابية تحاولين مساعدة من حولك، فما بالك بأخيك المريض. كما انك من الناحية الدينية سوف تنالين رضا الله وفضله على وقفتك الجادة معه، شفاه المولى عز وجل.
والحقيقة أن رسالتك تثير قضية خطيرة تتعلق بالزواج العرفى أو السرى أو ما قد يطلق عليه البعض «زواج الهبة»، فإذا لم يوافق والد الفتاة على زواجها من شخص أحبها وأحبته، وتعلقا ببعضهما، فإنها تهرب معه، ويختلى بها ويقول لها: «زوجينى نفسك»، فترد عليه: «زوجتك نفسى».. فيرد عليها: قبلت، فهذا ليس زواجا، حتى لو استدعى الشخص الذى يلجأ إلى هذا الأسلوب للتغرير بالفتاة، إثنين من أصحابه ليشهدا على هذا العقد ليكون حلالا حسب زعمه، وليعلم الجميع أن هذا العقد باطل، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن للولى الحق فى تزويج المرأة، لكنه ليس حقا مطلقا، بل له شروط منها أن تكون راضية، وألا يعضلها، وإلا تم خلعه من الولاية. ويحل آخر محله.
ويجب أن نفطن إلى ما بعد الزواج، وما وراءه فى المستقبل من إنجاب الأولاد وترتيب أمور الميراث، والزواج وخلافه، وفى الوقت نفسه لا يجوز إنكار حق من تزوج زواجا شرعيا تحققت فيه كل الشروط، فالأمر حساس وخطير، وينبغى الحذر عند الاقتراب من هذه المسائل. فلا تدخلى أنت وأختك فى مغامرات غير محسوبة. وعليكما أن تضعا النقاط على الحروف.. هى مع من تزوجته بهذه الطريقة الخاطئة وأنت مع من يحاول الايقاع بك بالطريقة نفسها، لأنه لا يصح إلا الصحيح، وسوف تتفتح لكما أبواب الحياة والأمل قريبا بمشيئة الله تعالى.